يشعر مواطنون كثيرون بأن أداء حكومة الدكتور الببلاوى أقل كثيراً من سقف الطموح والتوقع الذى رفعته ثورة 30 يونيو، وهناك من يرى أن هذه الحكومة -باستثناء بعض كوادرها- هى أسوأ نتائج هذه الثورة. لكن المشكلة أننا لا نستطيع أن نطالب بتغييرها، أولاً لأن هناك بالفعل أزمة كوادر. وثانياً لأن ظروف البلد لا تتحمل إجراءً عنيفاً كهذا. وثالثاً -وأهم- لأن هناك عدواً حقيراً يحسب علينا أخطاءنا ويتربص بنا وينتظر أى بادرة فشل ليبنى عليها، ويثبت للعالم -ولنفسه بالطبع- أن الأوضاع لم تتحسن عما كانت عليه قبل 30 يونيو، وأن هذه الثورة لم تأت إلا بمزيد من التدهور والإحباط والفوضى. هوجمت الحكومة بضراوة، واتهمها كتّاب رأى وإعلاميون -وكنت واحداً منهم- بأنها «مرتعشة» و«فاشلة»، ولا تصلح حتى لإدارة جمعية استهلاكية، وقيل إن «ببلاويها» لا يشبه واقع «ما بعد 30 يونيو» ولا يمت إليها بصلة، وأقصى ما يستطيع أن يقدمه لمصر -وهو فى هذه السن المتأخرة- أن يكتب مقالاً أو تحليلاً اقتصادياً فى جريدة «الشروق» (لسان حال منصة رابعة)، أو يجلس بين عواجيز نادى هليوبوليس فى يوم راحته الأسبوعية يحدثهم عن فضائل «دستور 1923» وعن مساوئ وكوارث الحكم العسكرى، وعن مصر التى كانت ليبرالية، مشمشية، حمصية، وأصبحت -بعد ثورة 1952- «معجبانية وصبية يا بهية». ما من شك فى أن هذه الحكومة تعمل فى ظرف سياسى واقتصادى وأمنى بالغ الصعوبة والحرج، وهى قبل ذلك «حكومة انتقالية»، أى مؤقتة، ومن ثم فعذرها معها. لكنها ليست معذورة فيما لا ينبغى أن يكون محل خلاف أو اختلاف بين أعضائها: «ملف الأمن»!. المصريون مستعدون لتحمل كل أخطاء هذه الحكومة والصبر على «عكها» وترددها وسوء تقديرها نكاية فى الإخوان، وقد أثبتوا بالفعل أنهم شركاء فى المسئولية.. حتى إن المواجهة مع إرهاب الإخوان وحلفائهم لم تعد مقصورة على أجهزة الأمن وحدها، بل أصبحت تضم أيضاً مواطنين عاديين، وأصبح مألوفاً أن تنتهى غالبية مسيرات «الجماعة» إلى نتيجة واحدة: «اشتباكات بين الأهالى وأنصار المعزول»، وفى بعض هذه المسيرات كان «الأمن» يتدخل أحياناً ليمنع الأهالى من الفتك بقطعان الإخوان. أما أن تنقسم الحكومة على نفسها أثناء مناقشة إقرار «قانون التظاهر» فهذا ما لا يمكن السكوت عليه. صحف الأمس -الأربعاء- نشرت تقريراً عن مشادات كلامية فى اجتماع مجلس الوزراء بسبب الخلاف على إقرار القانون، ومن المؤسف أن أكثر المعارضين تشدداً هو الدكتور زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية. احتد الدكتور زياد الذى كان قد طلب من الببلاوى قبل أسبوع تأجيل مناقشة القانون لحين عرضه على منظمات حقوق الإنسان، فرد الدكتور الببلاوى قائلاً: إنه حصل على موافقة بعضها، ورد الدكتور زياد بعرض 6 ملاحظات أساسية، فاحتد اللواء محمد إبراهيم -وزير الداخلية- قائلاً: «احنا بنحارب على الجبهة وانتو مش عايزين تساعدونا»... وانتهت الخناقة بتمرير القانون. الدكتور «زياد» غنى عن التعريف بطبيعة الحال، وهو مثال لدماثة الخلق والتعفف، فضلاً عن أنه كفاءة اقتصادية هائلة، ورغم أننى أعرفه شخصياً وأكن له تقديراً واحتراماً كبيرين.. فإننى لا أرى مبرراً لاعتراضه على قانون التظاهر، فهو يعرف أكثر من غيره أن مسيرات الإخوان لم يعد لها هدف سوى إرباك حكومته واستنزاف جهازها الأمنى وإفساد خارطة الطريق التى أتت به إلى منصبه، وأن الشارع أصبح نهباً لبلطجية الألتراس وأصحاب المطالب الفئوية والذين لا يعجبهم طبيخ زوجاتهم، لذا أطالب الدكتور زياد بتحييد مشاعره الليبرالية قليلاً، لأن مصر بالفعل فى حالة حرب، وكل شوارعها وميادينها أصبحت «جبهة» مفتوحة، ولا بد من توفير كل الضمانات التى تدعم جهود الحكومة فى إعادة الانضباط والوفاء بمسئولياتها.. وعلى رأس هذه الضمانات قانون التظاهر. لست مع الدكتور زياد فى مخاوفه التى أعلنها خلال اجتماع مجلس الوزراء، واعتبر فيها أن القانون سيكون نقطة تحول خطيرة فى المرحلة الانتقالية. الخطير يا دكتور زياد أن تتحول المظاهرات والمسيرات إلى حق يراد به باطل، وأن تصبح «مرحلتك» أنت وحكومتك «انتقالاً» إلى حرب أهلية.. وقودها الناس والحجارة!. ولست مع الدكتور زياد فى إقحام «دكاكين» حقوق الإنسان فى قضية تتعلق بأمن مصر، فهذه «الدكاكين» يا دكتور زياد محل شبهة، وأنت سيد العارفين، ومن ثم فإن أى قانون يمنع التظاهر سيهدد «أكل عيشها».. إن لم يكن يهدد وجودها نفسه. لست مع الدكتور زياد، وأخشى أن يُقال إنه «رجل البرادعى» فى الحكومة، وأن عليه أن يركز فى ملفه الاقتصادى ويترك «ملف الأمن» لمن يفهم فيه ويضحى من أجله: جيشاً وشرطة ومواطنين شرفاء!. أخشى أن يُقال للدكتور زياد: اذهب أنت وليبراليتك إلى بلد آخر... مكانك مش هنا!