سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بالفيديو| "حراس الحضارة" يعيدون إحياء تاريخ "الجمالية" وتوظيف آثارها مسؤول وحدة التطوير ب"الآثار": الفكرة بدأت من "حراس الحضارة".. والوزارة رحبت ودعمت الشباب
يقف على الباب الضخم شبه المُتهالك للمسجد رجل في العقد الثالث من عمره، كل مهمته المرور عليه وعلى مواقع أخرى شبيهة بين الحين والآخر. تأمين تاريخ الآثار الإسلامية هي مهمته التي يشغلها منذ أعوام ليست قليلة. تُبهرك ضخامة المكان الذي يحرسه، حيث يُغطي أبوابه وشرفاته التي أخذت من التاريخ 700 عام، طلاء بُني اللون. يفصلك عن الدخول سلم من درجتين، تجد أمامك طريقًا قصيرًا، على يساره ثلاث غُرف مخصصة للوضوء، وفي نهاية الطريق على اليمين بوابة كبيرة، تُفضي إلى مكان إقامة الشعائر الدينية. تتوسط باحة المسجد المفتوحة إلى السماء نافورة كبيرة مغطاة بالأتربة، تميل عليها إحدى الأشجار المحتفظة بأوراقها الخضراء، وتحوطها من ثلاثة جوانب أماكن مخصصة لإقامة الصلاة. على اليمين تجد مكانًا للصلاة تصعد إلى عدة درجات، ينتصفه المنبر، ويفصل مساحته كثير من الأعمدة العريقة، ويتجدد هذا المشهد على اليسار وأقصى يمين الباحة. تُدهشك الساحة المختلفة في نهاية المسجد، حيث تصعد لها عدة درجات لتجد أكثر من 8 غرف ضيقة وصغيرة جدًا، لا تتسع سوى لشخص واحد، صُمِّمت على ثلاثة طوابق، تصعد إلى العليا منها بسلم خشبي ينتصف ساحتها. خُصصت تلك الغرف لاعتكاف المتصوفين في مسجد وخنقاة "سعيد السعداء" بحي الجمالية، أول البيوت الصوفية في مصر. لم يكن المكان قبل أسابيع قليلة على هيكله الذي رأيناه، حيث كلَّف ذلك حملة "حراس الحضارة"، التي تتكون من مجموعة من شباب الأثريين وآخرين من المهتمين بآثار مصر وحضارتها، جهدًا عظيمًا. قبل أسابيع كنت لترى فروع الأشجار الكثيفة والضخمة هنا وهناك، والأتربة المتراكمة والأحجار الثقيلة. عانى شباب الحملة في العمل على المسجد، كي تتسلمه وزارة الأوقاف جاهزًا لإقامة الشعائر الدينية. "إعادة توظيف الآثار مُكَمِّل لإعادة ترميمها". يقول شريف فوزي مدير وحدة التطوير والتوعية الأثرية بالإدارة العامة للقاهرة التاريخية بوزارة الآثار، إن فكرة تنظيف وإعادة ترميم المواقع الأثرية بدأت بحملة "حراس الحضارة"، التي عملت بشكل عشوائي قبل 30 يونيو، ومع عرض الفكرة على الإدارة العامة لترتيبها ووضع خطة تطوير لها، رحبت الإدارة، ثم "درسنا الحملة وتوسيعها لتشمل تطوير البيئة المحيطة بالآثار المغلقة، بالجمالية والباطنية والدرب الأحمر في القاهرة التاريخية، والخاربوطلي والغورية بالأزهر"، موضحًا أن الدكتور محمد إبراهيم وزير الآثار، دعَّم فكرة حملة التنظيف وتوعية سكان المناطق المحيطة بالآثار، لأنه "كي نُحافظ على الأثر ونطالب الأهالي بالحفاظ عليه، لابد أن نقدم لهم حياة كريمة ووعيًا كاملًا بمدى أهمية وتاريخ الآثار التي يعيشون بينها". يُعتبر "سعيد السعداء" أول "خنقاة" في مصر، حيث أنشأها صلاح الدين الأيوبي. والخنقاة كلمة فارسية تعني "البيت"، ويُقصد بها في مصر البيوت الصوفية. وكانت بداية ظهور الخنقاة في إيران في القرنين الرابع والخامس الهجري، وأنشأها السلطان صلاح الدين في مصر بغرض محاربة المذهب الشيعي، باستخدام بيت أحد غلمان القصر الفاطمي. عملت الخنقاة في البداية على تدريس المذاهب السنية، بالإضافة إلى المواد المتعلقة بالتصوف والذكر، وقراءة القرآن، واحتفظ متصوفو الخنقاة بهيئتهم الخاصة، فكان أهالي القاهرة يستمتعون بمشاهدتهم كل يوم جمعة وبعد الانتهاء من الأذكار، يغتسلون في الحمام المجاور للخنقاة ليتبارك بهم الناس. وفي أواخر العصر المملوكي، تحول المكان إلى خنقاة ومسجد، وفي العصر العثماني المتأخر والعصر الحديث، أصبح يُطلق عليه مسجد "سعيد السعداء". "كان فيه إهمال من الأهالي في غياب الوعي الثقافي. قبل الثورة كنا بنضطر نعمل لهم محاضر، وبعد الثورة حصلت فوضى. اضطرينا لنشر الوعي الثقافي بين الناس، وابتدينا نفهِّمهم إن المنطقة دي بتاعتهم مش بتاعتنا، والآثار ملكهم، وده تاريخنا، لحد ما الناس بدأت بالفعل تشارك معانا وتقتنع بكلامنا". يوضح العزب محمد العزب مراقب أمن تفتيش الجمالية، ما يحدث من إهمال للآثار الإسلامية، والتوعية الحضارية التي يقدمها شباب الأثريين لسكان منطقة حي الجمالية، لمعرفة تاريخ الآثار التي يمرون عليها كل صباح. وضعت "حراس الحضارة" بمشاركة وزارة الآثار جدولًا زمنيًا محددًا للأماكن المراد تنظيفها، وخاطب الوزير محافظ القاهرة ووزارة البيئة للمشاركة في الحملة وتوسيع نطاقها، وبالفعل تم الترحيب من الجانبين، وتم وضع جدول والبدء بتنفيذه في 9 أكتوبر بمسجد "سعيد السعداء". قبل تعاون الحملة مع وزارتي الآثار والبيئة والقاهرة، بدأت العمل على "مدرسة الأمير مثقال"، التي تقع بالحارة التي شهدت مولد الروائي الكبير نجيب محفوظ. بعد الانتهاء من "سعيد السعداء"، انتقلت الحملة إلى "قبة الشيخ سمان" بالجمالية في 30 أكتوبر، وستبدأ العمل ب"سبيل زين العابدين" و"سبيل سيلمان بيك الخاربوطلي" بالأزهر في 14 نوفمبر المقبل، ثم ستنتقل إلى "قاعة الدردير" في 28 نوفمبر، ثم "سبيل أبو الإقبال" في 12 ديسمبر، على أن تبدأ جدولًا زمنيًا جديدًا في العام المقبل. ويشارك شباب الأثريين وأعضاء "حراس الحضارة" في توفير أدوات النظافة، مثل المقشات والكمامات والقفازات وصناديق القمامة، في حين شارك حي وسط القاهرة وهيئة النظافة بعمال لإزالة المخلفات الصلبة بعد منتصف الليل من مواقع العمل، كما دعمتهم وزارة البيئة ب20 صندوق قمامة ضخما. يقول محمد فتحي منسق عام حملة "حراس الحضارة": "بالفعل حصلنا على دعم كبير من وزارة الآثار ومحافظ القاهرة والبيئة، كما رحبت جمعيتي (رسالة) و(صناع الحياة) بفكرة الحملة وأهدافها، فالتعاون ليس منسوبًا لشخص بعيه، لأن الآثار ملكية ثقافية عامة، وعلى من يريد المشاركة أن يتقدم، والوزارة ترحب وتقدم التسهيلات المطلوبة". ودشنت الحملة مبادرة بين مفتشي الآثار وشرطة الآثار، لتوضيح دور كل طرف في حماية الآثار، كما وظفت وطورت "حمام الشرايب". يقول فتحي: "إحنا بنختار المكان لأهميته الحضارية، وبنعرَّف الناس إنهم لازم يحافظوا على القيمة التاريخية والحضارية للمكان". ربما يتحول مشهد شارع المُعز بدين الله الفاطمي المتفرع منه حي الجمالية، إلى الأسوأ، حيث تُجمِّله الآثار الإسلامية أمام أعين المصريين والسائحين الأجانب، لكن حركة السيارات داخل الشارع الذي يعج بالمارة تسيء إلى منظره، وهو الأمر الذي تسعى الحملة إلى منعه للحفاظ على خصوصية المواقع الأثرية. يقول شريف فوزي: "ابتدينا نعمل مشروع رفع كفاءة بشارع المعز، لإعادة تشغيل الصدادات الإلكترونية، تمهيدًا لإغلاق الشارع أمام سيارات وإعادته كما كان، متحفًا مفتوحًا". تختلف طريقة كل فنان في الاحتفال بعمله المفضل، حيث اختار شباب الآثار الاحتفال بتاريخ الحضارة التي يعملون ويعيشون بينها، عن طريق الاهتمام بالتاريخ الإسلامي. يوضح عمرو عبد الكريم المسؤول الثقافي في حملة "حراس الحضارة"، أن المصريين يحيون دائما ذكرى الفنانين كالسيدة أم كلثوم، والروائيين كنجيب محفوظ، لذلك "ركزنا على السلاطين الإسلاميين، مثل صلاح الدين الأيوبي والسلطان قلاوون ومحمد علي باني مصر الحديثة، وقمنا بترميم آثارهم التي توضح دورهم في التاريخ الإسلامي على مر العصور".