يعتبر القدماء المصريون من أوائل الشعوب التي طورت تقويماً دقيقاً يعتمد على دورة الشمس، وهو دليل واضح على تقدمهم في الفلك والحساب، التقويم المصري القديم لم يكن مجرد وسيلة لتحديد الزمن، بل كان مرآة تعكس التنظيم الدقيق الذي ساد حياتهم اليومية والدينية والزراعية. التقويم الذي قسم السنة إلى 365 يوماً كان إنجازاً علمياً متقدماً ساهم في تنظيم دورة حياتهم الزراعية وربطها بنهر النيل، شريان الحياة في مصر القديمة. تميزت الحضارة المصرية القديمة بأنها من أولى الحضارات التي نجحت في تطوير تقويم يعتمد على الدورة الشمسية، وهو ما يعكس مدى تقدمهم في علم الفلك والحساب، لقد أدرك المصريون القدماء أهمية تحديد الوقت ليس فقط لأغراض الحياة اليومية، ولكن لتنظيم أنشطتهم الزراعية والدينية، ولذا، طوروا تقويماً دقيقاً مكوناً من 365 يوماً، مقسماً إلى ثلاثة فصول رئيسية ترتبط بدورة نهر النيل. اقرأ أيضا | «رأس ظبي مصري قديم» تحفة نادرة تعكس الفن والرمزية في الحضارة المصرية القديمة الفصول الثلاثة في التقويم المصري أول فصل في السنة المصرية القديمة كان "آخت" (Akhet)، وهو موسم الفيضان، الذي كان يعد حدثاً مهماً في حياة المصريين. في هذا الموسم، كان نهر النيل يغمر الأراضي الزراعية ويجلب الطمي الغني، مما يجعل الأرض جاهزة لاستقبال موسم الزراعة. الفيضان لم يكن مجرد ظاهرة طبيعية، بل كان يعتبر أيضاً نعمة إلهية، حيث ربط المصريون القدماء فيضان النيل بإرادة الآلهة، وخاصة الإله حابي، إله النيل. بعد الفيضان يأتي فصل "برت" (Peret)، وهو موسم النمو، في هذا الوقت، كانت الأراضي الزراعية المغمورة بالطمي الغني تكون جاهزة للزراعة، المزارعون كانوا يبدؤون بزراعة الحبوب والخضروات، مستفيدين من التربة الخصبة التي خلفها الفيضان. هذا الموسم كان رمزاً للتجدد والنماء، وهو ما جعل المصريين القدماء ينظرون إليه كفترة مليئة بالأمل والازدهار. الفلاحون كانوا يعتمدون في هذا الموسم على التخطيط الجيد والمراقبة الدقيقة لدورة النباتات، مما يعكس مدى تقدمهم في الزراعة. الفصل الأخير في السنة المصرية كان "شمو" (Shemu)، وهو موسم الحصاد. في هذا الوقت، كان المزارعون يجمعون المحاصيل التي نمت طوال الموسم السابق. هذا الموسم كان الأكثر انتظاراً، حيث يمثل ذروة العمل الزراعي. المصريون القدماء كانوا يعتمدون على حصادهم لتأمين احتياجاتهم الغذائية طوال العام، مما جعل هذا الموسم من أكثر الفترات أهمية في السنة. وفيه كانت تقام احتفالات ومهرجانات كنوع من الشكر للآلهة على الحصاد الجيد. تقسيم الأشهر والأيام التقويم المصري القديم لم يكن فقط معتمداً على الفصول الزراعية، بل تميز أيضاً بتقسيم دقيق للأشهر. كل فصل من الفصول الثلاثة كان مقسماً إلى أربعة أشهر، وكل شهر يتكون من 30 يوماً. هذه الدقة في تقسيم السنة تعكس مدى اهتمام المصريين القدماء بالوقت وبالتنظيم. لم يكن هذا التقسيم فقط لأغراض الحياة اليومية، بل كان يخدم أيضاً الاحتياجات الدينية والزراعية.في نهاية كل سنة، كان المصريون القدماء يضيفون خمسة أيام احتفالية، تعرف ب"الأيام الزائدة"، وهي أيام مخصصة للاحتفال بالآلهة. هذه الأيام كانت تعتبر فترة مقدسة، حيث كان الناس يقومون بالاحتفالات والطقوس الدينية لتكريم الآلهة. المصريون القدماء ربطوا الكثير من جوانب حياتهم بالدين، وكان هذا التقويم مثالاً على ذلك الترابط الوثيق بين الزمن والطقوس الدينية. أهمية التقويم في حياة المصريين القدماء ما يثير الدهشة في التقويم المصري القديم هو أنه لم يكن مجرد وسيلة لتحديد الوقت، بل كان له دور كبير في تنظيم حياة المصريين اليومية والزراعية والدينية. من خلال تقسيم السنة بشكل يتناسب مع الدورة الطبيعية لنهر النيل، كان المصريون القدماء قادرين على التخطيط بشكل فعال لأنشطتهم الزراعية، وهو ما ساهم في ازدهار حضارتهم. إلى جانب ذلك، كان التقويم يخدم أيضاً الأغراض الدينية، حيث ارتبطت الكثير من الأعياد والمهرجانات بأوقات معينة من السنة. هذه الاحتفالات لم تكن فقط فرصة للاحتفال، بل كانت تعبيراً عن الشكر للآلهة على الخير والوفرة التي قدموها، من خلال التقويم، كان المصريون قادرين على تنظيم حياتهم بشكل يعكس التوازن بين الطبيعة والدين، وهو ما يعكس بوضوح مدى تطورهم الحضاري. تأثير التقويم المصري على الحضارات الأخرى التقويم المصري القديم كان أحد الإنجازات التي تركت بصمتها على الحضارات الأخرى. العديد من الحضارات القديمة تأثرت بالتقويم المصري واعتمدت على نظام مشابه لتنظيم حياتها الزراعية والدينية. الدقة التي تميز بها هذا التقويم، وكذلك التناسق بين الفصول والأشهر، كان له دور كبير في تحسين حياة المصريين وتنظيمها، مما جعله نموذجاً يحتذى به. يمكن القول إن التقويم المصري القديم كان أكثر من مجرد وسيلة لتحديد الوقت، لقد كان نظاماً يعكس مدى تقدم المصريين القدماء في الفلك والحساب، ويظهر كيف تمكنوا من تنظيم حياتهم بشكل يتناسب مع الطبيعة والدين. هذا التقويم كان أيضاً جزءاً من حضارة عظيمة أثرت في العالم، وترك إرثاً يستمر تأثيره حتى اليوم.