لم يعد شارع خالد بن الوليد بالإسكندرية موقعًا آمنًا للباعة الجائلين الذين ظلوا على مدى أكثر من عام يفترشون ببضائعهم أرصفته، وعلى امتداد أمتار منها أيضًا، ليصاب الطريق بشلل تام، إذ شنت مديرية أمن الإسكندرية حملة مفاجئة على الشارع قامت خلالها بإزالة المئات من إشغلات الطريق الخاصة بالباعة الجائلين، وذلك بعد فترة طويلة من استسلام شرطة المرافق لغزو الباعة الجائلين للشارع. خالد بن الوليد، من أشهر شوارع الإسكندرية ويصل بين منطقتي سيدي بشر وميامي وينتهي بكورنيش الإسكندرية، واشتهر عنه أنه شارع تجاري يضم المئات من المحال التجارية، خاصة المتخصصة في مجال بيع الملابس. وتطورت أنظمة التجارة في الشارع وأصبحت لا تقتصر فقط على المحال التجارية، لكنها انتقلت أيضًا للمئات من الباعة الجائلين الذين يقومون بتأجير مساحات من أصحاب المحال التجارية ليفترشون الأرض ببضائعهم أمامها. ويقول محمد البرنس، أحد أصحاب المحال التجارية بالشارع "احنا غلبنا مع الشباب اللي بيفرش بضاعة قدام المحلات بتاعتنا، ولما مالقيناش فايدة ولا أمل إنهم يمشوا بقينا بنأجر ليهم الأماكن قدام المحلات عشان نستفاد احنا كمان". وليس البرنس وحده، لكن المئات من أصحاب المحال التجارية بشارع خالد بن الوليد أصبحوا يقومون بتأجير مساحات للباعة الجائلين على الرصيف، وذلك بعد أن فشلوا في طردهم. ويؤكد أحمد عادل صاحب محل ملابس بالشارع "الشرطة ماكانتش قادرة عليهم حتى أيام مبارك". وتعجب من خروج حملة أمنية الآن في ظل الانفلات الأمني لتقوم بطرد هؤلاء الباعة من الشارع، قائلا "دول محدش كان قادر عليهم". وعلى الجانب الآخر يقول أحمد عشماوي أحد الباعة الجائلين في الشارع "أنا مش فاهم ليه يعملوا حملة مرة واحدة ويشيلوا البضاعة بتاعتنا بدون تحذير". وأضاف "أنا موظف في شركة قطاع عام، ومرتبي مش بيكفيني فبضطر أنزل بعد الظهر الشارع بالفرش بتاعي عشان آكل قرش بالحلال". ورفض عشماوي وصف الباعة الجائلين بشارع بن الوليد بالبلطجية، وتساءل "احنا كنا بناكل عيش بالحلال، دلوقتي نروح فين"؟. كان مساعد وزير الداخلية مدير أمن الإسكندرية اللواء خالد غرابة قد قاد حملة ضمت العشرات من ضباط المديرية، بينهم ضباط من إدارات المرافق والمرور والبحث الجنائي، استهدفت شارع خالد بن الوليد والباعة الجائلين الذين يفترشون ببضائعهم أرصفته. وتمكنت الحملة من إزالة أكثر من 200 فرش وتحرير نحو 70 محضر إشغال طريق في الشارع وحده. واختلفت ردود أفعال أهالي منطقة ميامي التي يقع فيها الشارع على الحملة غير المتوقعة، فيقول عمرو حسن 27 سنة أحد سكان شارع خالد بن الوليد "احنا كنا فقدنا الأمل إن الطريق ده يمشي تاني من كُتر البائعين اللي فيه". وأضاف "أنا سعيد طبعًا لأن الشارع نضف، لأني أنا وكل سكان المنطقة ماكنَّاش بنعرف ننام من صوت الباعة الجائلين اللي مش راحمينَّا طول السنة". ويرى حمدي علي أحد سكان الشارع أن غياب الباعة الجائلين عن الشارع عقب الحملة لن يستمر طويلا، لأن هؤلاء اعتادوا على العمل والبيع في هذا الشارع، والذي يمر فيه الآلاف من المصطافين يوميًّا، خاصة في فصل الصيف. وقال إن أكبر دليل على ذلك هو عدم تغيب المشترين عن الشارع حتى بعد حلول شهر رمضان، كما أن المحلات التجارية بشارع خالد بن الوليد لا تعتمد فقط على المصطافين، لكن على أبناء الإسكندرية أيضًا. وأرجع السبب في ذلك إلى قيام أصحاب المحال التجارية بعرض بضائعهم بأسعار مناسبة، وجلب بضائع مستوردة تغري العديد من المشترين الذين تعودوا على شراء احتياجاتهم من الشارع. ويقول اللواء خالد غرابة مساعد وزير الداخلية مدير أمن الإسكندرية، إن تنظيم حملة لشارع بحجم خالد بن الوليد كان أمرًا صعبًا، خاصة وأن هذا الشارع ظل لفترة تزيد عن عام لا تصله أي محلات حقيقية، لأنه كان مقرًا آمنًا للباعة الجائلين الذين توغلوا فيه وأصبحوا يمارسون تجارتهم على أرصفته بدون مراعاة البعد الحضاري لمدينتهم. وأكد غرابة أن تواجد الباعة الجائلين بكثافة في الشارع كان يسبب شللا مروريًّا، ليس فقط في شارع خالد بن الوليد ذاته، لكن أيضا بطريق الكورنيش، والذي كانت تقف فيه السيارات بالساعات عند مرورها بمنطقة ميامي، بسبب تكدس الباعة الجائلين على ناصيتي الشارع المطل على الكورنيش. وقال إن الحملة قوبلت بترحيب كبير من المواطنين من أهالي المنطقة، والذين فوجؤوا بنزولنا بحملة كبيرة تضم العشرات من الضباط الذين لم يكترثوا باعتراضات الباعة على الخروج من الشارع. وتابع "إننا اتخذنا هذا القرار للرد على كل من يشكك في رغبة الشرطة في تطهير الشوارع وإعادة المظهر الحضاري لمدينة الإسكندرية". وأكد أن تلك الحملة كان من الصعب أن تقوم حتى قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير، نظرًا لشعور هؤلاء الباعة أنهم هزموا شرطة المرافق وأصبحوا أصحاب مكان، مما دفعهم إلى التوغل أكثر وأكثر في عرض الطريق، الذي أصيب بشلل تام وأصبح لا يستوعب إلا سيارة واحدة، على الرغم من أن عرض الشارع يستوعب أكثر من ثلاثة سيارات.