«السيدُ نام.. السيدُ نامَ كنومِ السيفِ العائدِ من إحدى الغزوات.. من قال بأنَّ الهرمَ الرابعَ ماتْ». يستطيع الموت أن يخطف كل الأرواح، وأن يقصف كل الأعمار، لكنه لن يستطع أن يمنع «الزعيم» من أن يطل على أمته، بل ويشاركها أفراحها وأتراحها، أبداً لم يغب، ولن يغيب، يستدعيه أبناء شعبه ويحملون صوره ويهتفون باسمه، شأنهم فى ذلك شأن الملايين التى لم تره، ولم تعش عصره، ولكنها تتنافس فيما بينها على فعل الصعاب «لو كان أبوك ناصر»، ولا أحد يعرف من أين جاءهم ذلك الحب. أربعة عقود وبضع سنين مضت على الرحيل الجسدى، ولا يزال «أبوخالد» خالداً فى قلوب المصريين والعرب وغير قليل من شعوب الأرض فى كاراكاس وبوجوتا وهافانا بأمريكا اللاتينية وآسيا وما كان يسمى أوروبا الشرقية. تربع الفتى المصرى على قلوب الفقراء والمستضعفين فى كل بقاع الأرض، لا يريد لنفسه من الدنيا سوى إرضائهم وبسط العدالة الاجتماعية التى تحقق أمانيهم وتحميهم من الفقر. يغفو التاريخ ويصحو على وجه أسمر قوى أصبح ملهماً لأجيال من صنّاع الثورات العربية والعالمية، لا يكاد يغيب حتى يحل بقوة فى مشاهد عظيمة محفورة فى الذاكرة المصرية. فى 25 يناير تظاهر مع الجموع بميدان التحرير، ثم أعاد الكرّة فى الثلاثين من يونيو، وما بين التاريخين، وما قبلهما وبعدهما يظل صاحب القامة الفارعة موجوداً، يزور الجبهة عند الفجر، ويبارك أيدى المصريين زراعاً ومعلمين، مهندسين وحرفيين، يشرب قهوته معهم، ويربت على أكتاف المساكين، ويمسح بيده رؤوس اليتامى وأبناء الشهداء ويقبّل أيدى العمال والفلاحين. وحده من بين الحكام من آمن بأن «الشعب هو القائد والمعلم»، فعمل حتى الرمق الأخير مأموراً بما يريد. هى نفسها الملايين التى خرجت إلى شوارع مصر وحواريها تودعه وتبكى فراقه وتتغنى «الوداع يا جمال.. يا حبيب الملايين» الأغنية التى لم يُعرف لها مؤلف سوى قلوب مصريين عاديين صدحوا بها ذات نهار، حين كان النعش يتهادى وسط طوفان بشرى، إلى أن حط رحاله فى كوبرى القبة حيث المثوى الأخير. تمر السنون والحوادث مانحة المصداقية والإقرار لكل ما فعل الزعيم والقائد والمعلم، يستدعيه الهتاف الشهير «عبدالناصر قالها زمان، الإخوان مالهمش أمان»، وكأنهم يمتدحون بُعد نظره، وصواب رؤيته، وإجراءاته التى اتخذها ضد الإخوان قديماً. يفتشون فى كل الوجوه عن وجهه، يحلمون باليوم الذى يُبعث فيه من جديد فى تصريح لمسئول، أو تحدٍّ لأمريكا، أو قرار للفقراء. يهمسون فيما بينهم: «القائدُ لم يذهب أبداً، بل دخل الغرفة كى يرتاح. السيد نام».