أمنية وحيدة، وحلم طالما راود «حسن» هو الالتحاق بكلية الهندسة ليصبح مثل والده، إلا أن الحلم أصبح سراباً، وجاءت الرياح بما لا تشتهى السفن، رسب فى إعدادى هندسة، وتكرر رسوبه فى سنوات بعدها حتى تم فصله فشعر بأن نهايته يجب أن يضعها بيديه، انتحر بإلقاء نفسه من الطابق السابع، واختار المبنى الذى بدأ فيه حلمه لينهيه على أعتابه، لكن بالدماء. حسن محمد عبدالمنعم -23 سنة- طالب بالفرقة الثانية بكلية الهندسة، قسم التعدين، عاش فترة طويلة فى سلطنة عمان بصحبة والده الذى يعمل مهندساً بإحدى الشركات، وعند عودته فى موعد الامتحان، توجه بصحبة والده إلى الجامعة لتقديم التماس، ولكن طلبه قُوبل بالرفض لاستنفاده عدد مرات الرسوب، فتسرب اليأس إليه، وبدأ يشعر بأن حلمه صعب المنال، وبدأ فى التفكير فى بداية النهاية. استغل حسن ذهاب والده لأداء صلاة الظهر، وكان «الانتحار» هو الحل الوحيد للتخلص من حياته تماماً، فما إن وجد أمامه نافذة بالطابق السابع بمبنى العمارة التابع لكلية الهندسة، ألقى بنفسه منها ليسقط على الأرض ويلفظ أنفاسه الأخيرة أثناء محاولات إسعافه بمستشفى الطلبة بالجيزة مصاباً بكسور فى قاع الجمجمة وأماكن متفرقة بالجسد. «الوطن» انتقلت إلى جامعة القاهرة، تقابلنا مع زملاء حسن أو «فوكس» - كما كان يُطلق عليه زملاؤه بالجامعة- ظهرت على من يعرفونه حالة من الذهول كلما وقعت أعينهم على مكان سقوطه حيث آثار دماء حسن، وقد قاموا بلصق صور له على الحائط، كتبوا عليها عبارات ينعونه فيها، وفى لفتة أخرى منهم قرر منظمو حفلة تخرج بالكلية أن يكون الحفل صامتاً حداداً على الفقيد. صديق حسن، يدعى عمر كمال 21 سنة، طالب بكلية الهندسة، تحدث إلينا بكلمات حزينة، قائلاً: «رأيت حسن وقد بدت عليه علامات الغضب بعدما تم رفض التماسه الذى قام بتقديمه، وبعد أن تركه والده ليصلى الظهر، فوجئت به وبشكل خاطف يُلقى بنفسه من النافذة بمبنى قسم العمارة ليلقى مصرعه بالحال». أما فادى يحيى -21 سنة- طالب بكلية الهندسة، يقول: «كنت بطرقة الدور السابع بمبنى قسم العمارة، ورأيت حسن بصحبة والده وقد بدت عليه علامات الحزن والأسى وشعرت بأن ثمة أمراً ما قد حدث، انصرف والده للصلاة، وبعد لحظات شاهدته يقفز من إحدى النوافذ، نظرت إلى الأسفل فوجدته جثة هامدة». وحرص ممدوح رشدى -24 سنة- طالب بكلية الهندسة وزميل حسن، على ذكر صفاته والحديث عن حبهم له، فقال: «حسن كان شاباً محبوباً منا وله بيننا ذكرى طيبة؛ ولكن الفترة الأخيرة أصيب بالاكتئاب بسبب تكرار رسوبه، وكان دائماً يتحدث عن خوفه من المستقبل خاصة أنه بقى عدة سنوات فى الكلية دون نجاح». فيما لم يتمكن محمد شوقى -23 سنة- طالب بكلية الهندسة من منع دموعه من التسرب على وجهه، قال: «حسن كان محافظاً على صلواته وكان طيباً، ودائماً ما كان يتحدث عن مشاكل الدراسة التى يمر بها، وكان يخاف نظرات من حوله نتيجة لتكرار رسوبه بالكلية، الذى كان له أكبر الأثر على نفسيته». وبعيداً عن زملائه، قابلنا محمود عبدالمنعم -52 سنة-عم «حسن»، فى منزل الأسرة بمنطقة إمبابة، الذى قال: إن ما حدث على الرغم من صعوبته، إلا أننا لا نملك إلا الإيمان بقضاء الله وقدره، وأضاف أن حسن قبل عودته من عمان كان ينوى دخول الامتحان بعد تقديم التماس ولكن للأسف، لم يُقبل الالتماس، ولم يقبل حسن بديلاً سوى إنهاء حياته بيده؛ ليتخلص من مشكلته الدراسية».