تتداخل الألوان؛ الأزرق الفاتح فى الوسط تماماً يشق القلب، على جانبيه يتمدد الأخضر الزاهى ودرجاته كفراش منبسط بلا نهاية تحدده، يظهر الأسود ويختفى تبعاً لقوة الأخضر أو ضعفه، من خلفهم مباشرة يزحف الأصفر الوهاج يكاد يطبق على الجميع، فيما الأبيض الناصع يهيمن من علٍ فيغمر الكون بالسكينة والأمان، تكتمل تفاصيل الصورة فتظهر وكأنها لوحة مرسومة لا قطعة من أرض مصر تمتد من جنوبالقاهرة حتى شمال أسوان، أو كما يحلو للجغرافيين أن يسموها «صعيد مصر». ترتفع الأراضى الخشنة فوق مستوى البحر، تصعد فى جلال من الشمال إلى الجنوب، ربما لهذا السبب منحها العرب الأوائل اسمها الذى عرفت به «الصعيد». تصوب الشمس أشعتها باتجاه البلاد الصلبة، تصبغ البشرة باللون الأسمر، وتتكفل الجبال العالية والطبيعة القاسية بتشكيل الشخصية الصعيدية، كما يعرفها الناس، صعبة المراس، منغلقة، تستمد قوتها من قوة البيئة التى عاشت وتعيش فيها. من المنيا شمالاً حتى قناجنوباً مروراً بأسيوط وسوهاج طافت «الوطن»، استمعت إلى الأهالى، زارت منازلهم، عاشت همومهم، رصدت وسجلت وصوّرت ثم نقلت على أمل أن يتحرك من يهمه الأمر، فيلتفت لأولئك الذين عاشوا أعواماً بعيداً عن العين والقلب، خارج أولويات الحكومة، وفى ذيل اهتماماتها، بلا أبسط حقوق كمواطنين مصريين يعيشون على أرض هذا البلد، أولئك الذين تجاهلهم الجميع، ونفوهم من أجنداتهم. عن الصعيد الذى أعطته الدولة ظهرها، فكان حقاً عليها أن تدفع الثمن.