«الوقت المحدد لعمل لجنة الخمسين لتعديل الدستور غير كافٍ لإنجاز التعديلات بصياغة مُحكمة تؤسس لدولة ديمقراطية حقيقية، وكان من الأفضل صياغة دستور جديد، يخلو من العوار الذى شاب دستور 2012».. هكذا بدأ الدكتور محمد غنيم، رائد جراحة الكلى فى مصر، عضو لجنة ال50 لتعديل الدستور، حواره ل«الوطن»، مؤكداً أن أفضل ما كُتب فى قضية الحريات هو بيان الأزهر الذى صادف توافقاً من الجميع، إسلاميين وليبراليين وأقباطاً، ويجب تضمين هذا البيان كما هو فى باب الحريات. وطالب «غنيم» بإلغاء نسبة العمال والفلاحين، مشدداً على أن التجربة أثبتت فشل فكرة «المحاصصة»، كما دعا إلى الإبقاء على مجلس الشورى وعدم إلغائه، بشرط منحه صلاحيات واسعة حتى لا يبقى «مجرد مَكْلَمة». ويرى «غنيم» أن الدولة فى حرب على الإرهاب، ويجب على الجميع أن يساندوها فى تلك الحرب، التى سوف تستغرق زمناً طويلاً، معتبراً أن المظاهرات الفئوية، فى هذا التوقيت، سلوك غير وطنى. وقال عضو لجنة ال50: «إن استقالة نائب رئيس الجمهورية المؤقت الدكتور محمد البرادعى، أنهت مستقبله السياسى فى مصر»، كما دعا تنظيم الإخوان إلى إجراء مراجعات جادة لنبذ العنف والفوضى. ■ ما رأيك فى تشكيل لجنة الخمسين لتعديل الدستور؟ - كان ينبغى أن يتم تشكيل لجنة الخمسين أولاً لتضع أفكاراً تعكس رغبات الأمة وطموحاتها وتطلعاتها بعد ثورتين ثم تأتى بعد ذلك مرحلة الصياغة. وكان من الأفضل من وجهة نظرى صياغة دستور جديد يخلو من العوار الذى شاب دستور 2012، ويؤسس لمصر الثورة، ولدولة مدنية حقيقية. ■ وهل ترى أن الفترة التى حددتها الرئاسة للانتهاء من التعديلات الدستورية كافية؟ - لا، لأن الهدف هو صياغة دستور دائم وليس دستوراً مؤقتاً، لذلك يجب إعداد الدستور بتأنٍّ وهدوء بعيداً عن أى استعجال، وأعتقد أنه ينبغى طرح ما تتفق عليه اللجنة للحوار المجتمعى قبل طرحه للاستفتاء عليه، ويجب أن يكون دستور مصر الجديد محكم الصياغة، ويعكس آمال الشعب المصرى. وأتصور أن الشهرين لا يكفيان، وأعتقد أنه يجب تجنب تكرار خطيئة اللجنة التى أعدت دستور 2012 على نحو غير مُرضٍ لعموم المصريين. ■ إذن ما سبب الاستعجال فى الانتهاء من إعداد الدستور؟ - هناك أسباب كثيرة، قد يكون من بينها ضغوط خارجية أو مواءمات سياسية، ولكن من وجهة نظرى يجب ألا يكون هناك استعجال فى كتابة الدستور، حتى نؤسس لدولة ديمقراطية حقيقية لا يشوب دستورها أى عوار. ■ لماذا تطالب بإلغاء نسبة العمال والفلاحين؟ - أعتقد أن التاريخ تجاوز نسبة العمال والفلاحين، والمشاركة والتجربة خلال السنوات الماضية أفرزت نتائج سلبية، ولم يستفد العمال والفلاحون من هذه النسبة بل تسرب إلى المجالس البرلمانية بسببها من لا يدافع عن العمال ولا يتبنى قضايا الفلاحين. ورأيى أنه إذا رغب العمال والفلاحون فى أن ينشئوا أحزاباً فليفعلوا، مثل حزب العمال فى بريطانيا. وأتمنى أن يكون الدستور الجديد بعيداً عن «المحاصصة» و«الكوتة»، لأن التجربة أثبتت فشل هذه التقسيمات. ■ وهل أنت مع وجود غرفتين للتشريع فى مصر؟ - هذا سؤال مهم، ولكن من وجهة نظرى يجب الإبقاء على مجلس الشورى وعدم إلغائه، بشرط منحه صلاحيات حقيقية حتى لا يبقى مجرد «مَكْلَمة». ■ أى الأنظمة تختار: الجمهورى أم الرئاسى أم المختلط؟ - كل الأنظمة جيدة إذا وُضع لها دستور جيد ومُحكم يحدد اختصاصات الرئيس، وحتى فى الجمهورية الرئاسية توجد مؤسسات تراقب عمل الرئيس وتحاسبه، مثلما يحدث فى الولاياتالمتحدةالأمريكية. ■ متى تنتقل مصر من الحالة الثورية إلى الحالة الدستورية؟ - إذا صِيغ دستور مُحكم يتناسب مع آمال مصر وشعبها فى القرن ال21 وأجريت انتخابات نزيهة وشفافة وتحققت الديمقراطية بمفهومها، فإننا سوف ننتقل إلى الحالة الدستورية بكل إيجابياتها. ■ وكيف ترى باب الحريات والأحزاب فى الدستور الجديد؟ - أفضل ما كُتب فى قضية الحريات هو بيان الأزهر الذى صادف توافقاً من الجميع، إسلاميين وليبراليين وأقباطاً، ورأيى أن نأتى بالبيان ونضعه فى باب الحريات كما هو. ■ وبالنسبة لإنشاء الأحزاب؟ - بالنسبة للأحزاب، لا يجب أن تقوم على أساس دينى أو عسكرى أو يكون لها ميليشيات، ومن يريد العمل فى سبيل الدعوة عليه إشهار جمعيات دعوية تعمل تحت مظلة الوزارة المختصة، ومن يريد العمل فى السياسة فليكشف لنا عن مشروعه السياسى فيما يخص التعليم والزراعة والصحة وقضية المياه وخلافه، دون ربطه بغطاء دينى. ■ وهل ستبقى مادة العزل السياسى فى الدستور؟ - بالطبع لا، فالعزل السياسى لا يتم وضعه فى الدستور ولكن فى قانون ممارسة الحياة السياسية. ■ يشعر المواطن المصرى بأن العدالة الاجتماعية لم يتحقق منها شىء حتى الآن، فكيف سيتم مراعاة ذلك فى الدستور؟ - يجب أن نؤسس لدولة عصرية مدنية تتمتع بالحرية والتعددية وحقوق المواطنة، ويكون فى صدر تطلعاتها قضية العدالة الاجتماعية، ويجب أن تحدد لها آليات وضوابط حقيقية وواضحة، ويجب سن القوانين التى تؤسس للعدالة الاجتماعية بمفهومها الشامل. ■ هل يمكن أن يقوم تنظيم الإخوان بمراجعات ويتراجع عن العنف، على غرار ما فعلته الجماعات الإسلامية؟ - إذا أراد الإخوان البقاء فى النور فعليهم أن يبادروا بهذه المراجعات وأن يعودوا إلى رشدهم، وإذا نجحت الجماعة فى ذلك فربما تسترد بعضاً مما فقدته خلال الفترة الأخيرة. ■ لا يوجد عدالة ناجزة فى ظل الوضع الحالى، فهل أنت مع القضاء الاستثنائى؟ - رأيى أن يتم قصر العدالة الناجزة على قضايا العنف والإرهاب ومن يهددون الأمن القومى للبلاد، كمن نفذوا مذبحتى «رفح». ■ كيف نحمى الثورة من المؤامرات الداخلية والخارجية؟ - هذه مسئولية المؤسسات المعنية السيادية، لأن المؤامرات الخارجية ستستمر، من خلال جلب السلاح إلى مصر واستخدامه فى عمليات عنف كبيرة تهز استقرار الوطن، والاستقواء بعناصر من الخارج لضرب الأمن القومى للبلاد. ■ برأيك، كيف تُجرى مصالحة وطنية فى ظل الأوضاع الراهنة؟ - بالفعل المصالحة الوطنية مطلوبة، وهذا فى مصلحة الدولة المصرية حتى نتخلص من الفوضى التى سادت البلاد، خاصة بعد ثورة 30 يونيو، ولكن الإخوان ومؤيديهم يرفضون مد أيديهم للتصالح، ويصرون على التصعيد ضد الدولة وضد الشعب، تغليباً لمصلحتهم الشخصية على ما سواها من مصالح الوطن العليا. ■ لماذا هذه الحرب الشرسة فى سيناء؟ - سيناء تم إهمالها سنوات طويلة منذ انسحاب إسرائيل منها، ما أدى إلى نزوح مجموعات مختلفة إليها وزاد ذلك فى العامين الأخيرين، وتحولت فى عهد الرئيس المعزول إلى قبلة للجهاديين، الذين جلبوا إليها السلاح من ليبيا والسودان، ويجب الآن العمل على مستويين؛ الأول: تجفيف منابع الإرهابيين وبؤر المتطرفين وضرب أوكارهم بيد من حديد، والثانى: تحقيق تنمية جادة وشاملة فى سيناء، لأن أهلها لا يزالون يفتقدون الاهتمام والرعاية. ■ هل ترى أن التدخل الأمريكى فى سوريا سوف ينهى أزمتها؟ - بالطبع لا، لأن مشكلة سوريا أصبحت معقدة، ووصلت إلى مرحلة الحرب الأهلية ودخول عناصر خارجية فى اللعبة مثل القاعدة، وضرب سوريا أو أى بلد عربى أمر مرفوض ويزيد من أوجاع الوطن العربى، وما حدث فى العراق تجسيد حقيقى لذلك. ■ وهل الوضع فى مصر يشبه ما يجرى فى سوريا؟ - سوريا بها تنوع عرقى ومذهبى، لكن مصر فيها توحد جغرافى وجيش وطنى متماسك، وتجربة سوريا لا تنسحب على الوضع السياسى فى مصر. ■ وكيف ترى تلويح الولاياتالمتحدة بقطع مساعداتها عن مصر بعد عزل «مرسى»؟ - المساعدات الأمريكية متواضعة جداً، ويمكن لمصر الاستغناء عنها دون ضرر، وبالنسبة للمساعدات العسكرية فهناك أكثر من مصدر لتنويع مصدر السلاح، وبالنسبة للمساعدات الاقتصادية فإن السعودية والإمارات والكويت وقفت وقفة جادة وحقيقية بجانب مصر فى هذا التوقيت الحرج. ■ لماذا وصلت مصر إلى مرحلة تهديدها بقطع المساعدات؟ - لأننا أهملنا البحث العلمى فى مجالات مختلفة طوال السنوات الماضية عن عمد، واعتمدنا على استيراد التكنولوجيا ولم نسعَ إلى تصنيعها. وبالنسبة للمعدات العسكرية فيجب أن تمتلك المصانع الحربية القدرة بشكل أو بآخر على تزويدنا بقطع الغيار. ■ كيف ترى هدم الجيش للأنفاق على الحدود مع غزة فى هذا التوقيت؟ - الدولة فى معركة مع الإرهاب، ومن حقها أن تفعل أى شىء من أجل الانتصار فى هذه المعركة، والجيش يهدم تلك الأنفاق حفاظاً على الأمن القومى، وهذا لا يتعارض مع أهمية القضية الفلسطينية، لأنها سوف تبقى فى قلب وعقل المصريين، وحل القضية الفلسطينية لن يكون عبر تلك الأنفاق التى تستخدم فى تهريب السلاح وتهديد الأمن القومى المصرى. ■ ما هو تعليقك على موقف الدكتور محمد البرادعى؟ - الدكتور محمد البرادعى له تركيبة شخصية معينة لم يفهمها الكثيرون، وأعتقد أن استقالته من منصبه فى هذا التوقيت وبهذا الأسلوب أنهت مستقبله السياسى فى مصر تماماً وأفقدته كثيرين من مريديه. ■ كيف ترى المظاهرات فى الشارع بعد 30 يونيو؟ - الدولة المصرية فى حالة حرب على الإرهاب، وهذا يتطلب من جميع المخلصين تقديم العون المناسب للدولة فى هذه الحرب، التى سوف تستغرق وقتاً طويلاً قبل أن نبدأ فى عملية البناء والتنمية، لذلك أتصور أن المطالب الفئوية والتظاهر فى هذه المرحلة، حتى وإن كان سلمياً، سلوك غير وطنى، لأنه يشتت جهود الدولة ويعرقل مشروع التنمية، والتظاهر السلمى الآن حق يراد به باطل.