سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عائلة "قطب" تنجو من فتك البلطجية بهم بعد دفع فدية.. وتقرر "الهجرة هي الحل" عبد المنعم قطب: أفكر بالهجرة ونعيش حياة الغرباء والأسرى والترقب يلاحقنا في كل مكان
داخل أحد المنازل العتيقة، في نهاية "درب آية" بمنطقة باب الشعرية، يجلس رجل مسن "سنّي" المذهب كما يظهر عليه، مطيل لحيته ويحف الشارب، يروي إبراهيم قطب، الرجل الذي جاوز العقد السادس من عمره، داخل مكتب مصنعه للجلود، الذي تزين جدرانه ببعض من آيات الذكر الحكيم، وفي أحد جنباته يتراص عدد من الأحذية، بامتعاض شديد ما أسماه "استهداف الملتحين" في منطقة باب الشعرية، بخاصة لما لها من طبيعة سكانية تميل تركيبتها دائما للقوات المسلحة، وترفض كل ما هو يبدو منتميا للتيار الديني، إلى جانب عدد من البلطجية وتجار المخدرات. وبجوار إبراهيم يجلس بالقرب منه نجله عبد المنعم في العشرين من عمره، وقد فقد ما تبقى له من أمل في المستقبل، يعيش حالة من الإحساس بامتهان الكرامة، بخاصة بعد ما مر بهم من مواقف تعرض خلاله للموت، والسبب رغبه في الإبقاء على لحيته، رافضا الاستجابة لفتوى حلقها اتقاءً لشرور رافضيها. الرجل المسن ونجله، يتبعان أنصار السنة المحمدية منهجًا، ويبتعدان عن أي حزب سياسي أو تيار ديني، إلا ما ندر من جلسات الدروس الدينية وما شابه. عند السابعة مساءً يسلكان طريقهما من مصنع الأحذية إلى المنزل، في اتجاه شارع الجيش، وبالقرب من منزل العائلة بشارع بورسعيد، وداخل أحد الأزقة الصغيرة، وأثناء مرورهم بالسيارة، فوجئا بوابل من إلقاء الحجارة على السيارة من النوافذ، وعلى حين غرة استوقفهما العديد من الشباب، مدججين بالأسلحة الآلية والبيضاء، وشرعوا في إخراجهما من العربة، مرددين "إخوان يا رجاله إخوان". هكذا مر الموت قريبا جدا من إبراهيم ونجله عبد المنعم.. حيث كانوا بين أيدي شباب، حسب قولهما، لا يدركون ما يفعلون، وسط ما يتلقونه من السباب، الضرب، والتعدي عليهما ب"الشوم" و"السنج"، وصبية يجذبونهما من لحيتيهما.. التعامل معهما ولو كانا "أسيرين" تم القبض عليهما خلال الحرب مع "أعداء الله"، كما وصفتهم إحدى السيدات التي صاحت فيهما حين القبض عليهما "حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا مرسي"، و لولا تدخل بعض العقلاء، للقيا مصرعهما في بغته من الزمن، علاوة إلى خضوعهما للتحقيق حول انتسابهما لجماعة الإخوان من عدمه، ويشير "قطب" إلى أنه قد اضطر لدفع مبالغ مالية لعدد من البلطيحة للتوسط لدى محتجزيهما لإخراجهما سالمين من هذا المكان، محملة نفوسهم بكم هائل من الإهانات وامتهان الكرامة واتهامات وهمية بالكفر والإلحاد. عبد المنعم قطب يفكر بجدية في الهجرة خارج البلاد، لما يشعر به من انتقاص لكرامته، والعيش كأسير أو مجرم ملاحق بشكل دائم، الترقب شعور ينتابه طالما يسير في شوارع القاهرة، يقول ل"الوطن": "المضايقات بدأت قبل يوم 30 بشهور، وذلك بسبب الخطاب الإعلامي الذي لا يفرق بين "الإخوان" و"السلفيين"، فوضعت كل من هو ملتحٍ وسني تحت إطار الجماعة، أما الآن فأي ملتحٍ هو مؤيد لمرسي وكل مؤيد لمرسي إرهابي، وبذلك تصبح الملاحقات في الشوارع من جانب الأهالي مقاومة للإرهاب". التعرض لعائلة قطب الأب والابن، لم يقتصر على الأهالي في الشوارع، فقد يصل الأمر إلى حد تطاول الأطفال في الشوارع عليهم، ويسبونهم ب"يا خروف ويا ليفه".. ويوضح أن الشرطة تترك الأهالي بشكل دائم تعتدي على الملتحين دون التدخل بأي شكل لحمايتهم، ف"الملتحي" مجرم لابد من تأديبه. يلمم عبد المنعم ووالده أشيائهما من المكتب، فما تبقى من ساعات على موعد الحظر يكفى بالكاد للوصول للمنزل، اتقاء لشر ما يتعرضون له أثناء المرور بكمائن الجيش دقة مبالغ فيها، في حين يكون التساهل مع المارة الآخرين، وإذا اقتربت عقارب الساعة من التاسعة يكون دائما مرور الملتحين "ممنوع".. ويقول "عبد المنعم" إن المرور من ميدان التحرير من المحرمات على المتلحين، فقد يصل التطاول من جانب المعتصمين هناك لحد التهديد بالقتل، وإشارات الذبح دائما حاضرة، ويقابلونهم دائم ب:"هنحلقهالك يا شيخ قريب". بهدوئه المعهود، يروي عبد المنعم كيف اضطر شقيق زوجته، وهو صاحب أحد شركات السياحية، لحلق لحيته ليستطيع العودة لمنزله من طريق المطار، فعلى الرغم من مصاحبته لأحد ضباط الشرطة في سيارته من أصدقائه، فمجرد كونه "ملتحٍ" منع من المرور من كمائن الجيش، والذي تصادف يومها اندلاع أحد الاشتباكات بين قوات الأمن وأنصار الرئيس المعزول. واستمر في صباح اليوم التالي الرفض وطلب العودة من حيث أتوا، الرد الدائم لمحاولة الولوج من كمائن الشرطة والجيش، حتى المبيت في المطار والعودة لمحاولة المرور مرة أخرى، ولكن كل تلك المحاولات بائت بالفشل، حتى حلق لحيته ليتمكن من العودة لمنزله بدون أي مضايقات أو منع غير مبرر، مشيرا إلى عدم انتماء شقيقه زوجته إلى أي أحزاب سياسية. تمتلك عائلة قطب سيارة يعتبرونها هي الحل دائما، في مثل تلك الأيام، ومن دونها سيتعرضون لكم من المشكلات خلال عودتهم من عملهم لن يتحملوه، ويشير عبد المنعم إلى أن سائقي الميكروباصات في الكثير من الأحيان يرفضون ركوب الملتحين، تجنبا للتفتيش المستمر، والتعطيل خلال الطريق، ويكون رد السائقين "مش بركب ملتحين معايا ربنا يسترك، مش ناقصة مشاكل". "موضة وبطلت" كلمات خرجت من فم إحدى السيدات التي استوقفت عبد المنعم في أحد الشوارع، وخرجت من سيارتها ووعظته بضرور حلق اللحية، وناهية كلامها ب"ربنا يهديك" كما لو كان كل "ملتحٍ" فاسق أو داعر. التضييق على المتلحين انتقل من الشوارع للمساجد، فالمصلون، حسب رواية إبراهيم، أصبحوا غير متقبلين من الإمام الحديث في أي أمر من أمور الحياة الدنيا، ودائمي الرغبة في مقاطعة الخطيب، والرفض الذي قد يصل للتطاول على الإمام برفض الحديث خارج إطار الدين، رغم أن خطبة الجمعة الغرض منها توعية الناس، ولكن اليوم بمجرد الحديث حول العامة، ولو كان النص بعيدا عن التوجهات السياسية، يرفض الناس ويتم التدخل في حديثته ومنعه من الحديث بل وإنزاله من على المنبر، والمطالبة الدائم في الإلتزام بالأمور الدينية فقط، وعدم التطرق للأمور العامة.