إننا بلد الأزهر الشريف الذى يمتلك كبار العلماء القادرين على وضع ضوابط للأعمال الدرامية الدينية وإلزام الجميع بها. بدأ شهر رمضان الكريم بالزخم الدرامى المعتاد عليه، ولكن ما جد هو حالة التأهب والترقب الحذر من الدراما الدينية المقدمة، ولنكن أكثر وضوحا التأهب من عرض مسلسل «عمر» الذى يتناول قصة الفاروق سيدنا عمر بن الخطاب. وكان نصيب العمل، قبل بدء عرضه، من الحملات الشرسة التى تدعو لعدم مشاهدته أكثر من الحملات المؤيدة له، فقد نشأت كثير من المجموعات على مواقع التواصل الاجتماعى، خاصة الفيس بوك وتويتر، لمهاجمة المسلسل والتنديد بتجسيد شخصية عمر بن الخطاب باعتبار أن هذا العمل لا يجوز شرعا وأنه بمثابة تعدٍ على الثوابت الإسلامية. ولم يقتصر الأمر على شن حملات إلكترونية فقط، بل وصل الأمر إلى إقامة دعاوى أمام القضاء لوقف عرض المسلسل بحجة أنه مخالف للشريعة الإسلامية ولأن هذه الأعمال لا تجلب خيرا، ونسأل: لماذا كل هذا النقد لمسلسل لم يعرض بعد؟ ولماذا استخدام الدين من أجل التأثير على الناس وحثهم على عدم مشاهدته؟ ولماذا كل هذا الخوف من تجسيد شخصية عمر بن الخطاب، أحد أشهر الأشخاص والقادة فى التاريخ الإسلامي؟ للأسف كثير من الناس حائرون ما بين مشاهدة المسلسل لمعرفة المزيد عن قصة الفاروق أو مقاطعته خوفا من أن تكون مشاهدته حراماً دينياً. ببساطة شديدة، إن مشاهدته أو غير مشاهدته حرية شخصية وليس فرضاً من أى جهة، لأنه لا يوجد أى نص دينى يحرم تجسيد هذه الشخصيات، وإنما عرضه يعتبر إضافة حقيقية لكثير من الأسباب: أولا: تقديم هؤلاء الرموز الدينية من خلال عمل درامى سيكون له تأثير خاص لأن الدراما لها سحر حيث تعمل على تجسيد الصورة وتوضح طبيعة الحقبة الزمنية فى وقت ما، فالصورة تجعل المشاهد أكثر شغفا للمعرفة خاصة إذا قدمت بشكل جيد، كما أن الأعمال الدينية تحقق ربحا معنويا وأخلاقيا كما حدث فى العام الماضى مع مسلسل يوسف الصديق، فلماذا يبذل الكثير الجهد لإيقاف هذه الأعمال؟ إن تجسيد الصحابة فى الأعمال الدرامية التى تدخل كل البيوت لها قيمة عالية لأنها توضح مكانتهم ومسيرتهم العطرة العظيمة وأهمية السير على نهجهم والأخذ بهم كقدوة ونموذج. ثانياً: الأعمال الدينية تزيد من الثقافات والمعرفة عن الدين الإسلامى، الذى يتعرض لكثير من التشويه، وتعزز مبادئ دينية وتقوم سلوك الفرد من خلال عمل درامى بسيط. فالأعمال الدينية مطلوبة لما تتضمنه من قيم أخلاقية، فعلى عكس من يريدون منع هذه الأعمال، أعتفد أنه من الضرورى الإكثار منها ونشر صورة الإسلام الصحيحة بدلا من إعطاء الفرصة للغير لتقديم أعمال دينية قد تعزز أفكاراً متطرفة أو مذاهب خاصة لا تعكس مبادئ وأخلاق الإسلام، كما أن مسلسل «عمر» مترجم لكثير من اللغات ولذلك فهى فرصة لنقل صورة الإسلام ومبادئه الحقيقية وفكره المستنير. ثالثاً: أعتقد أن التليفزون المصرى ملزم بعرض هذه الأعمال لما لديه من واجب تثقيفى تجاه الجمهور بدلا من التركيز فقط على الأعمال الدرامية الاجتماعية من أجل تحقيق الربح المادى فقط من خلال جذب عدد أكبر من الإعلانات. وأخيرا، وفى ظل المراجعات الدقيقة من الأزهر يفتح المجال للإكثار من تقديم الأعمال الدينية، بوجهة نظر وسطية وصحيحة، لما لها من قيم ورسالة هامة للأجيال القادمة وللمجتمع بأكمله بدلاً من محاولات منعها وتحريمها.