سوف يجر الإرهاب أذيال الخيبة آجلاً أو عاجلاً، بعد أن تأكد له أنه لم يجد بيئةً حاضنة، وسط شعب يرفض إرهاب جماعة الإخوان ويقاومه ويطارده، وبعد أن تساقطت قياداته فى أيدى الأمن، وآخرهم د. البلتاجى، كبير قبضايات الجماعة ومهندس اعتصام رابعة العدوية، وأكبر المحرضين على جرائم الخيانة التى تجرى فى سيناء، وأصبح جميع قيادات الصف الأول رهن التحقيق، باستثناء محمود عزت الذى تؤويه منظمة حماس، وتعطيه ملاذاً آمناً فى قطاع غزة، يمارس منه جرائمه ضد المصريين، والواضح للجميع بعد الفشل الذريع الذى منيت به الجماعة يوم الجمعة الماضى، وأكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الجماعة تطلق تهديدات فارغة لا تقدر على النهوض بمهامها، أن مصر تنتقل الآن إلى مرحلة جديدة، تؤسس لدولة قانونية ديمقراطية، تلتزم بتطبيق حكم القانون على الجميع، واحترام حقوق المواطنة، وتحقيق أهداف الثورة فى الحرية والكرامة والعدل الاجتماعى على أسس صحيحة، تتطلب من الجميع الجدية وصدق العزم وعدم خداع النفس وشفافية المواقف، والقبول بتوافق وطنى، يحترم قواعد اللعبة الديمقراطية، ويمتنع فيه على جميع الأطراف ممارسة أى من صور الابتزاز والمغالبة وفرض الأمر الواقع والاستقواء بالطائفة والعشيرة أو التهديد بممارسة العنف. ولأن الأهداف واضحة ومحددة وتحظى بتوافق الجميع، يحسن تكريس الجهد الوطنى لاختيار أكثر الطرق أمناً لتحقيق هذه الأهداف، نركز على مساحات الاتفاق ونعمل على توسيعها، ونحاول تضييق مساحات الخلافات قدر الطاقة، لا نقحم أنفسنا فى معارك جانبية ولا نختلق خلافات مفتعلة، تؤدى إلى المزيد من الفرقة والانقسام، ولا نتعجل خطوات غير محسوبة على نحو جيد، تدخلنا فى مشاكل جديدة، ونثق فى قدرة هذا الشعب على الاختيار الصحيح، نعود إليه ونستفتيه إذا تعذر على فرقاء الوطن وقواه السياسية الحسم أو الاختيار، خاصةً ونحن ننشد دستوراً جديداً، يقود إلى ديمقراطية كاملة، تنتفى معها كل صور الاستحواذ واحتكار السلطة، وتتحدد فيها سلطات الدولة، بما يحول دون استنساخ حكم ديكتاتورى جديد، وتحيط الحياة السياسية للمجتمع بكل الضمانات التى تحقق جديتها ونظافتها، وتفتح الطريق واسعاً أمام قيام مصر الحديثة، التى تنهض على حرية الفكر والمعرفة والبحث العلمى وتحديث المؤسسات التعليمية، وإعلاء حقوق الإنسان، وتوسيع نطاق المشاركة السياسية، دون استبعاد أى من فصائل الوطنية أو أى من الشخوص، إذا لم تكن على يديه آثار دماء ولم يتورط فى جرائم كبرى ضد المجتمع. فى هذا السياق ينبغى ألا تعطلنا كثيراً قضية حل جماعة الإخوان المسلمين أو مشكلة إدماجها مرة أخرى فى الحياة السياسية، لأن الجماعة المحظورة لا تزال محظورة بحكم القانون، ولأن معظم قادة ذراعها السياسية، المتمثلة فى حزب الحرية والعدالة، متورطون فى أعمال عنف وبلطجة وإرهاب تنتظر أحكام القضاء، ولأن وضعها القانونى الجديد كجمعية تخضع لقانون الجمعيات، ينطوى على عوار جسيم، لغموض مصادر تمويلها وأوجه إنفاقها، ولرفضها غير المبرر الخضوع لرقابة الجهاز المركزى للمحاسبات، الذى تخضع له كل الجمعيات، وربما يكون الحل الأمثل لهذه المشكلة، تطبيق أحكام القانون على كل من أجرم من أفراد هذه الجماعة فى حق مصر، مهما تكن مكانته، وإبراء ساحة الذين لم يتورطوا فى هذه الجرائم، وترك الجماعة تواجه مصيرها، مثل نار يأكل بعضها بعضا إذا لم تجد ما تأكله، خاصةً أن الجماعة سوف تتعرض بالضرورة لحملة انتقاد ومراجعة واسعة من داخلها، تسائل قيادات الجماعة عن دورها ومسئوليتها عن هذه المحنة، بعد أن أدى تفاقم أخطائها القاتلة إلى سقوط حكمها بعد أقل من عام على حكم الرئيس المعزول، وتسببت فى نفور غالبية المصريين من نهجها فى الاستحواذ والتسلط وتحولها إلى جماعة إرهابية تستخدم العنف والقتل والترويع لإرهاب المصريين، وفى جميع الأحوال ينبغى على الدولة أن تلتزم عدم اللجوء إلى أى من صور العقاب الجماعى، ابتداءً من الاعتقال العشوائى إلى العزل الجماعى السياسى، بقدر التزامها الصارم بتطبيق أحكام القانون على كل من تورط فى سفك دماء المصريين، أو حاول العبث بأمن مصر الوطنى، وأظن أنه لا ضرورة البتة الآن فى الإسراع بإصدار قرار إدارى بحل جماعة الإخوان المسلمين، يمكن الطعن عليه إلا إذا صدر هذا القرار بحكم قضائى نافذ، وما من شك أن الجماعة، التى هبط حجم تأييدها فى المجتمع من 40 فى المائة إلى أقل من 10 فى المائة، كما تقول تقارير مؤسسة بصيرة الإحصائية، هم فى الأغلب أعضاء الجماعة وأنصارها، سوف تواجه مأزقاً خطيرا فى الانتخابات البرلمانية القادمة، يهبط بأغلبيتها إلى حدود جد متواضعةً، حتى إن جرت الانتخابات بالقوائم، أما إذا كانت الانتخابات فردية فأغلب الظن أن الجماعة سوف تبقى لعدة سنوات قادمة خارج أى مجلس نيابى، لأن المصريين لن ينسوا سريعاً الجرائم التى ارتكبتها الجماعة، ولأن الشعب المصرى مصمم على عقابها، لقاء الجرائم التى ارتكبتها، وبرغم إصرار غالبية المصريين على استبعاد دمج الجماعة فى الحياة السياسية المصرية الآن ما لم تراجع الجماعة مناهجها وأفكارها، وتدين بوضوح قاطع انحياز قياداتها القطبيين إلى استخدام العنف وميلهم المتزايد إلى اعتناق الفكر التكفيرى، وهبوط استخدامهم السياسى للدين، إلى حد قسمة المجتمع إلى فسطاطين، فسطاط للكفر وفسطاط للإيمان، وجسارتهم على رفع شعارات كاذبة من نوع، قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار، وتحريضهم اللدود للمجتمع الدولى على منع إمدادات السلاح عن الجيش المصرى، وتورطهم المشين فى تمكين تنظيم القاعدة من تهديد أمن مصر القومى فى سيناء، برغم كل هذه المطالب الصحيحة التى يرى غالبية المصريين ضرورة أن تلتزم بها جماعة الإخوان قبل أن يعاد دمجها فى الحياة السياسية، فإن واجب الدولة القانونية أن تبقى على كل الأبواب مفتوحة على مصاريعها لعودة من لم يتورط فى ارتكاب أى جرائم ضد وطنه، خاصةً أن الجماعة لا تزال تضم عشرات الآلاف من المخدوعين الذين لا يريدون أن يفيقوا من غيبوبتهم رغم كل ما حدث، ويقاوموا من داخلهم الإلحاح المتزايد على ضرورة مراجعة أفكار الجماعة ومناهجها، لأنهم لا يريدون مواجهة الحقيقة التى تدق رؤوسهم ليل نهار. وسواء تم ذلك غداً أو بعد غد، فإن عملية إصلاح الحياة السياسة فى مصر لا بد أن تمضى قدماً، رغم كل المصاعب والعقبات، تصحح الأوضاع الحزبية الخاطئة، وتعيد النظر فى أوجه العوار التى لا تزال تحكم قوانين الانتخابات، وتنظم العلاقات بين مفاهيم السياسة والدين، بما يحفظ ما لقيصر لقيصر وما لله لله، إن كنا نريد بالفعل دولة قانونية ديمقراطية، لا تعود بنا إلى أى من نظم الحكم الشمولى الدينية والعسكرية، خاصة أن أحدا لا يمكن أن يجادل فى حق مصر فى أن يكون لديها قانون جديد للأحزاب، لا يجعل من بنودها سواتر لاستمرار أحزاب عائلية كرتونية لا وجود لها على أرض الواقع، تضر الحياة السياسية بأكثر من أن تفيدها، وكثيراً ما يتم استخدامها فى تدبير مكائد صغيرة تهبط بمستوى الأداء الحزبى إلى الحضيض، لأن استمرار أى حزب فى الحياة السياسية لا بد أن يكون رهنا بقدرته على الحصول على نسبة معقولة من أصوات الناخبين، أو نجاحه فى الحصول على مقعد أو مقعديين داخل البرلمان، أما الإبقاء على أحزاب لا جذور ولا جمهور لها فى الشارع، فهو هزل فى موقع الجد، لا بد أن يتوقف، كما أن ضعف الانتماء الحزبى لدى المصريين، بسبب انخفاض قدرة الأحزاب السياسية على التواصل مع الشارع السياسى، وتفضيل غالبية المصريين البقاء خارج الأوعية الحزبية، يفرض بالضرورة إعادة تقسيم مقاعد البرلمان، بحيث تكون الأغلبية للمقاعد الفردية. لكن حجر الزاوية فى أى إصلاح سياسى جاد يظل وقفاً على منع هذا الخلط المسىء بين السياسة والدين، وإعادة تصحيح الخطأ الضخم الذى ارتكبته لجنة كتابة دستور جماعة الإخوان المسلمين، عندما حذفت النص على عدم جواز قيام أحزاب سياسية على أسس دينية، الذى كان ضمن بنود دستور 71، الأمر الذى أدى إلى زيادة حدة الانقسام والاستقطاب فى المجتمع، وتفشى ظاهرة تكفير المعارضين، باعتبارهم علمانيين كفارا!! كما تسبب فى شيوع الاستخدام البالغ السوء للمساجد والمنابر فى الترويج لدعوات حزبية وسياسية، حولت الأماكن المقدسة إلى ملاذات آمنة للمسلحين من أفراد الجماعة، كما فعلوا فى رابعة العدوية، وجامع الفتح الذى استخدموا منارته لإطلاق النار العشوائى على الناس فى الشوارع، وبرغم أن لجنة الخبراء العشرة أوصت بإعادة هذا البند إلى التعديلات المقترحة على دستور 2013، الأمر الذى لقى قبولا واسعا من غالبية المصريين، فإن جماعات الإسلام السياسى، بمن فى ذلك التيار السلفى والجماعة الإسلامية وبقية جماعة الإخوان، يرفضون جميعاً هذا النص ويصرون على رفعه من مشروع التعديلات الدستورية التى سوف تقرها لجنة الخمسين، قبل أن يتم عرضها على الشعب المصرى فى استفتاء عام. وأظن أن الاستفتاء على تعديلات دستور 2013 ينبغى أن هذه المرة على نحو مختلف، يمكن المواطن من أن يقول رأيه فى مجمل التعديلات، ويقول رأيه أيضاً فى بعض البنود المهمة، خاصةً البند الذى يرفض قيام الأحزاب على أسس دينية، ويرتبط به إصلاح الحياة السياسية فى مصر، وأظن أيضاً أن من الضرورى أن تتوافر لجنة قانونية خاصة، كى تضع الحيثيات الصحيحة لقانونية هذا النص، استناداً إلى المفاسد العديدة التى نتجت عن غيابه فى دستور 2013، وأدت إلى شرخً عميق، قسّم البلد على نحو غير مسبوق، وجعل من المساجد أماكن لمساجلات واشتباكات عديدة بين الأئمة والمصلين، غالباً ما تصل إلى حد العنف، ووصلت الاستباحة إلى حد أن أصبحت المساجد ملاذاً لعصابات مسلحة، أساءت للدين كما أفسدت السياسة وحولت الاثنين إلى سوق وتجارة، وأشاعت التعصب والطائفية وأخذت البلاد إلى حافة حرب أهلية لولا ستر الله، وربما يدخل فى مهمة هذه اللجنة ترتيب بعض الأحكام الانتقالية التى تحافظ على الأوضاع الراهنة للأحزاب الدينية القائمة بالفعل، إلى أن تكيف أوضاعها مع مقتضيات النص الدستورى الجديد، الذى سوف يحظى باليقين بمساندة غالبية المصريين فى الاستفتاء العام، بعد تجربتهم المريرة فى الخلط السيئ بين السياسة والدين.