بعد أن أفاق الشعب المصرى من كابوس حكم الإخوان الذى استمر عاماً كاملاً، وبعد أن أصبحت الجماعة جزءاً من تاريخ مضى ولن يعود، آن الأوان لنا جميعاً أن نطوى صفحة الماضى وأن نتطلع إلى مستقبل بلدنا. ولعل ما يستوجب الاهتمام الآن هو مشروع الدستور الذى سيُطرح على الشعب. ووفقاً لخارطة الطريق فقد انتهت لجنة العشرة الفنية من إعداد مسودة للتعديلات التى ستُعرض على لجنة الخمسين المتوقع الإعلان عنها خلال ساعات. والحقيقة أن لجنة العشرة «الفنية» قد قامت بجهد مشكور خلال فترة وجيزة وأتمت أعمالها بالرغم من الظروف القاسية التى مرت بالبلاد خلال فترة عملها، بيد أن اللجنة -ومؤكد بحسن نية- أقحمت أموراً سياسية فى اقتراحاتها تخرج عن مهمتها الفنية، ولعل الخروج الأبرز عن هذا الدور الفنى هو ما ورد فى الأحكام الانتقالية بالمادة (190) من المسودة والتى نصت على أن «تكون انتخابات مجلس الشعب والمجالس المحلية التالية لتاريخ العمل بالدستور بالنظام الفردى»، ويأتى هذا النص بعد النص فى الفقرة الأخيرة من المادة (76) من المسودة والتى جرى نصها على «ويبين القانون شروط الترشيح الأخرى، ونظام الانتخابات، وتقسيم الدوائر، بما يراعى التمثيل العادل للسكان». ومفاد هذا النص أن المشروع قد ترك للمشرع العادى أن يختار نظام الانتخابات سواء فردى أو بالقائمة أو بالخلط بينهما. ولإيضاح وجهة نظرى أجد أنه من اللازم شرح مختصر لكل من النظامين، فلكل منهما مميزاته وعيوبه، وعلينا أن نوازن بينهما لتحقيق الصالح العام. فالانتخاب الفردى يقسم الدولة إلى دوائر انتخابية صغيرة ويقوم الناخب فى كل دائرة باختيار نائبين لتمثيله فى البرلمان أما الانتخابات بالقائمة فتقسم فيه الدولة إلى دوائر أكبر كأن تتكون الدائرة من خمسة دوائر فردية وتنضم لتصبح دائرة واحدة يمثلها عشرة نواب. ويتميز النظام الفردى بسهولة إجراءاته وملاءمته لظروف العديد من الناخبين البسطاء أو الأميين، وكذلك وجود اتصال مباشر بين النائب والناخب -وإن كنت أعتبر ذلك من سلبيات هذا النظام وليس من إيجابياته- ومن عيوب هذا النظام أن الناخب ينتخب من يعرفه وقد لا يكون الأصلح وكذلك نزعة هذا النظام إلى الفردية التى تُبرز العصبيات والطابع العائلى فى التمثيل البرلمانى خاصة فى الصعيد، فضلاً عن ازدياد فرص أصحاب المال لشراء أصوات الناخبين مع انتشار ظاهرة البلطجة للسيطرة وإحباط المرشحين المنافسين والتعدى عليهم، والعيب الرئيسى فى النظام الفردى يتمثل فى ترسيخ ثقافة هدامة لدور المجلس النيابى؛ حيث سيسعى النائب إلى إرضاء ناخبيه بل ومسايرتهم لما قد يتعارض مع الصالح العام للوطن، فضلاً عن أن المناطق الفقيرة تعتبر أن النائب هو أحد مصادر الرزق سواء بمرتبات شهرية أو لمسئوليته المباشرة عن التشغيل والعلاج والسعى فى أقسام الشرطة لإخلاء سبيل من يُقبض عليهم من أبناء دائرته.. إلخ إلخ.. بما يعوق عمله النيابى الذى انتُخب من أجله وهو الرقابة على الحكومة والتشريع. فضلاً عن أن الانتخاب بالفردى يهدر ما يقارب من نصف الأصوات لا تُمثل فى المجالس النيابية. أما انتخابات القائمة فيعيبها أن إجراءها يتطلب حياة حزبية صحيحة وأحزاباً قوية لها قواعدها وهو غير متوفر حالياً فضلاً عن تعقيد إجراءاتها للناخب البسيط واتساع الدائرة الذى يرهق المرشحين. وأتصور أن تعقيد الإجراءات سوف يزول بعد الانتهاء من نسبة ال(50%) عمال وفلاحين. ومن أهم مميزات نظام الانتخاب بالقائمة ترسيخ ثقافة هامة هى علاقة النائب بناخبيه، فدور النائب الحقيقى فى الرقابة والتشريع يترسخ فى أذهان الناخبين، ولأن القوائم تقوم على أساس أن يفاضل الناخب بين برامج الأحزاب وليس بين أشخاص وهو ما تقوم به الأحزاب مما يمهد لحياة حزبية سليمة -وإن كانت ناشئة الآن- إلا أن علينا تنميتها وتقويتها وأن يمارس المواطن السياسة من خلال أحزاب لها برامج وتوجهات وأيديولوجيات تعمل على إقناع الناخب بها، ومن ناحية أخرى تضمن الانتخابات بالقائمة النسبية تمثيل جميع الأصوات الانتخابية. أضف إلى كل ما سبق أن مسودة تعديل الدستور قد أخذت بالنظام البرلمانى الرئاسى، فرئيس الحكومة يُختار من أكثرية الحزب الذى فاز بمقاعد البرلمان، فإذا ما أسفرت الانتخابات الفردية عن أغلبية من المستقلين -وهو شىء مؤكد- فكيف يمكن تشكيل الحكومة، وهل ستتفق مجموعة غير متجانسة من النواب على رئيس للحكومة؟ وإن اتفقت على رئيس الحكومة هل ستوافق -بالأغلبية- على برنامج الحكومة؟ حيث لا توجد أغلبية أصلاً؟ مما سيوقعنا فى حلقة مفرغة تنتهى بحل المجلس وإجراء انتخابات جديدة، فهل نحتمل فى هذه الظروف هذا الترف؟ وتبقى لى ملاحظة على مسودة التعديلات، فقد ورد بالمادة (110) من المسودة أنه «لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس الشعب إلا عند الضرورة (ما هى هذه الضرورة؟) وبقرار مسبب وبعد استفتاء الشعب، ولا يجوز حل المجلس لذات السبب الذى حُلَّ من أجله المجلس السابق». «ويصدر رئيس الجمهورية قراراً بوقف جلسات المجلس وإجراء الاستفتاء على الحل خلال عشرين يوماً على الأكثر، فإذا وافق المشاركون فى الاستفتاء بأغلبية الأصوات الصحيحة على الحل أصدر رئيس الجمهورية قرار الحل، ودعا إلى انتخابات مبكرة خلال ثلاثين يوماً على الأكثر من تاريخ صدور القرار، ويجتمع المجلس الجديد خلال الأيام العشرة التالية لإعلان النتيجة النهائية»، والسؤال البديهى الذى غابت إجابته عن اللجنة: وماذا إذا رفض المشاركون فى الاستفتاء حل المجلس؟ سؤال يحتاج إلى إجابة من لجنة الخمسين.