سئلت إن كان لاعتراضى على قرار رئيس الجمهورية بعودة مجلس الشعب صلة بكون الرئيس الإخوانى، باعتبار عضوية الدكتور مرسى بجماعة الإخوان المسلمين وبحزب الحرية والعدالة (الذى تخلى عن رئاسته)، أعاد برلماناً ذا أكثرية من الإخوان وأغلبية منهم ومن الأحزاب السلفية. ووراء السؤال علامة استفهام أولى تتعلق بما إذا كان الخلاف السياسى مع الإخوان يدفع الأحزاب والشخصيات المنتمية للمساحة الليبرالية والمدنية لرفض جميع ممارساتهم بغض النظر عن أهدافها ومضامينها. ووراء السؤال علامة استفهام ثانية ترتبط بما إذا كان الليبراليون والمدنيون يساومون على مبادئ الديمقراطية خوفاً من هيمنة الإخوان ويستدعون حماية العسكر فى مواجهة صندوق انتخابات يأتى بالإسلاميين ويمكنهم كمدنيين منتخبين من إدارة الشأن العام والسياسى. لم أكن يوماً، والسياق الزمنى يعود إلى كتاباتى الأكاديمية والصحفية قبل الثورة المصرية، من دعاة العداء الكامل بين الإخوان والتيارات الليبرالية، وكانت قناعتى، وما زالت، أن أهداف الديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة القانون ينبغى أن تمكنهم من التعاون بعد أن حرمنا حكم مبارك منها جميعاً. وخلال أشهر العمل بمجلس الشعب بحثت مع آخرين من النواب الليبراليين عن تعاون بناء مع الإخوان والسلفيين، وترجم هذا فى بعض مقترحات القوانين التى كانت فى طور الإعداد ولم ترَ النور بعد حكم «الدستورية العليا». وحين أخفقت مساعينا لتشكيل جمعية تأسيسية متوازنة مرتين متتاليتين انسحبت من الجمعية وانتقدت ابتعاد الإخوان عن التنسيق ونزوعهم للاستئثار والهيمنة، ذات النزوع الذى رأيته فى الدفع بمرشحهم للانتخابات الرئاسية. لم أؤيد الدكتور مرسى فى الجولة الأولى وأبطلت فى الإعادة، إلا أن رفضى للإعلان الدستورى المكمل وتأييدى لانتزاع الرئيس لكامل صلاحياته لم يهتزا لكون الرئيس إخوانياً، وأكدت للرئيس أن المدافعين عن الديمقراطية والمدنية بين الليبراليين سيقفون فى صفه وهو يعمل على انتزاع صلاحياته وممارستها. طالبت الرئيس بالالتفات لعدم فرض اللون الإخوانى على الدولة ومؤسساتها والعمل باستقلالية عن «الجماعة» التى يتعين عليها تقنين أوضاعها، مع احترام حقه فى وضع مشروعه السياسى موضع التطبيق من خلال فريق رئاسى وحكومة لا تفرض عليه. أسوق كل هذا لكى أؤكد أن رفضى لقرار الرئيس بشأن مجلس الشعب لا صلة له إلا بشبهة عدم الدستورية والقانونية التى تحيط به ومقاطعتى جلسة الأمس سببها أن القضاء يفصل حالياً فى التنازع الناشئ عن القرار، ومن ثم وجب الانتظار والابتعاد عن إضفاء مشروعية على قرار محاط بالشبهات. لست بخائف لا من الرئيس الإخوانى ولا من أكثرية الإخوان بالبرلمان، ومنفتح على كافة البدائل السياسية والقانونية لسلطة تشريع فى يد العسكر، وسأؤيد الرئيس فى مساعيه هنا طالما اكتست بسند قانونى، إلا أن شبهة إهدار سيادة القانون لا يمكن السكوت عنها، وهى سبب موضوعى لرفض قرار الرئيس. أما المساومة على مبادئ الديمقراطية خوفاً من صندوق انتخابات يحسمه الإخوان وحلفاؤهم لصالحهم والتنكر لمرتكزات الدولة المدنية بدعوة العسكر للتدخل ضد الإخوان فيمثلان فى جوهرهما تخلياً كاملاً عن الفكرة الديمقراطية وإهانة لها من قِبل أحزاب ومجموعات لم تعرف إلا التفزيع من الإسلام السياسى وتأييد قمع وسلطوية النظام السابق ضدهم. لا يمكن التنكر للمبادئ خوفاً ولا التحايل على الديمقراطية لأن الإخوان وحلفاءهم هم من يسيرون على طريق النجاحات الانتخابية اليوم. إلا أن رفض المساومة على الديمقراطية يقتضى أيضاً الدفاع عن سيادة القانون وعن استقلال مؤسسات الدولة وحمايتها من فرض لون إخوانى عليها، وتلك أمور أختلف بها مع رئيس الجمهورية وإن أيدته بالكامل فى انتزاع صلاحياته وإسقاط الإعلان الدستورى المكمل، ولكن بالقانون.