ليست إدارة التحول الديمقراطى بالمهمة اليسيرة علينا فى مصر، وتحديات بناء دولة مدنية تستند إلى المواطنة وحكم القانون وتداول السلطة عظيمة. وأعلم أن المواطنات والمواطنين تحملوا خلال الفترة الماضية الكثير من الصعاب، وأن البعض منهن ومنهم يشعر بالتفاؤل حين يطالع اللحظة الراهنة وبالرضاء عن فوز الدكتور مرسى بمقعد الرئاسة، تماماً كما يتخوف البعض الآخر منه ومن قادم الأيام. إلا أن واجبنا جميعاً هو أن نتمسك بمبادئ وقواعد الديمقراطية وألا نساوم عليها لا بإفراط فى التفاؤل ولا فى الخوف. للمتفائلين، أقول: نعم اجتازت مصر اختباراً مهماً تمثل فى انتخابات الرئاسة وأصبح لدينا رئيس منتخب بإرادة شعبية حرة. ونعم تنتظر مصر الكثير من الرئيس، وهو وإن انتقص الإعلان الدستورى المكمل من صلاحياته السيادية إلا أن صلاحياته التنفيذية والإدارية واسعة. ونعم لن تساوم القوى الليبرالية والمدنية المؤمنة بالديمقراطية وبأهداف الثورة على ضرورة التسليم الكامل والسريع للسلطة للمدنيين المنتخبين وستقف هنا مع الرئيس والقوى المتحالفة معه صفاً واحداً. إلا أن الإفراط فى مديح الدكتور مرسى وقبل أن يبدأ فى الممارسة الفعلية لمهام منصبه وكذلك وصفه بالقائد (كما ردد البعض بعد خطاب التحرير) وبالأخ الكبير والأب (كما جاء على لسان أحد المتحدثين باسم مرسى فى قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة) جميعها أمور مرفوضة وذات تداعيات سلبية واضحة. لن نقبل فى مصر أن يصنع من الرئيس المنتخب «قائداً للأمة» ولن يرضى الرأى العام عن مديح غير مبرر. مصر تريد رئيساً تؤيده إن أجاد وتحاسبه إن أخطأ، تريد رئيساً يقبل وجود المعارضة بجانب حكومته وينصت إلى الطرفين، تريد رئيساً يعمل أولاً قبل أن تضفى عليه هالات البطولة. من يتحدثون عن أن «الثورة وجدت قائدها فى مرسى» يسيئون لثورة عظيمة استمدت عبقريتها وسر حيويتها من غياب القائد ومن وعى المصريات والمصريين الملتزمين بأهدافها، وهم بوعيهم هذا سيحاسبون الرئيس على الأفعال وليس الكلمات دون تفريط أو إفراط. أرجو جموع المادحين ألا يصنعوا من رئيس منتخب وبأغلبية لم تتجاوز 52 بالمائة وقبل أن يبدأ عمله السياسى بجدية بطلاً لا يقبل النقاش وقائداً ملهماً لا يحاسب. أرجوهم، فالجسد السياسى المصرى يحتاج للتخلص من هذه الأمراض ويرغب فى اعتياد وجود رئيس وحكومة ومعارضة يسعون جميعاً لتحقيق الصالح العام ويتنافسون لاكتساب رضاء الناخبات والناخبين دون استعلاء رئيس أو استكبار حكومة. للخائفين، أقول: المبدأ الأساس فى الديمقراطية هو أن المدنيين المنتخبين يديرون الشأن العام ويتمتعون وفقاً لطبيعة النظام السياسى (رئاسى أو برلمانى) بصلاحيات محددة ويقبلون المحاسبة والمساءلة القانونية. ولا يجوز على الإطلاق المساومة على هذا المبدأ، مهما بلغ الخوف بالبعض ممن لم يصوتوا لمرشح الإخوان الذى أصبح رئيساً، ومهما اشتدت قوة الرفض لدى البعض الآخر. وقد أمضيت الجمعة الماضى فى سلسلة لقاءات مع كثيرين ممن صوّتوا ضد مرسى خوفاً من دولة الإخوان، وممن استهجنوا مقاطعتى بإبطال الصوت ورفضوا تفهّم موقفى المعارض لإعادة إنتاج نظام الاستبداد القديم بوجوه جديدة وتقبّل نتائج صندوق الانتخابات التى جاءت برئيس من الإخوان. أمامهم، سجلت رفضى لأن يدفعهم الخوف للتخلى عن الديمقراطية وللتمسك ببقايا حكم سلطوى ودولة عسكرية لم يأتيا لمصر بالكثير من الخير، بل ولم يضمنا لا المساواة ولا حقوق المواطنة الكاملة بين المسيحيين والمسلمين. أمامهم طالبت بألا نفقد الثقة فى صندوق الانتخابات وأن نعمل على توعية المصريات والمصريين بأهمية الدولة المدنية الديمقراطية وأن نعاود الذهاب لمراكز الاقتراع دفاعاً عن مبادئنا وأحلامنا. أمامهم تعهدت بأن أعمل مع كثيرين على أن نكون فى معارضة ديمقراطية بنّاءة وأن نتجاوز التفتت الذى أصاب التيارات الليبرالية والمدنية بتشكيل تيار شعبى مدنى (التيار الثالث) ينافس بقوة فى الانتخابات القادمة وينتصر للديمقراطية ويضمن استقلال وحياد مؤسسات الدولة وأجهزتها. فلم تكن الانتخابات الرئاسية، ولا الانتخابات التشريعية، الانتخابات الحرة الأولى والأخيرة فى مصر. فنحن عائدون للصناديق قريباً وعلينا الاجتهاد والعمل. للمتفائلين وللخائفين، أرجوكم لا تساوموا على الديمقراطية.