لم تكن الحادثة الأولى التى يتحول فيها الفرح إلى مأتم، على سطح النيل، بغرق مركب صغير للفسح النيلية الجمعة الماضى، نتيجة الاصطدام بكوبرى 6 أكتوبر، محولاً عرساً إلى عزاء، إذ لقى على أثره 4 أشخاص مصرعهم، بينهم طفل لم يكمل شهره الرابع، بينما نجح رجال الإنقاذ النهرى فى انتشال 10 أشخاص للحياة. «الوطن» راحت ترصد المشهد داخل مرسى ماسبيرو، الذى وقع الحادث قبالته، للتعرف على تأثيره على حركة المراكب والرحلات النيلية. البداية كانت أعلى كوبرى أكتوبر الذى شهد واحدة من أبشع الحوادث لأحد المراكب النيلية ليلة الجمعة الماضى، وقف رجل وزوجته مع طفليه يشاهدون منظر النيل، ويشاور أحد أطفاله على المراكب بنورها المضىء وأصوات الأغانى التى تصدح منها، فى إشارة لوالديه أن يأخذاه فى رحلة بأحد المراكب. يقول محمد عبدالقادر: «أنا مش هغامر بعيالى وأنزل بيهم مركب فى النيل علشان تغرق بيَّا وبيهم، أنا كنت باركب المراكب دى زمان وانا لوحدى، لكن دلوقتى بقيت متجوز، وعندى عيال فأكيد أخاف عليهم ليحصلهم حاجة». طفل آخر يقف على سور نهر النيل أمام ماسبيرو بجوار أبيه وأمه وأخيه الذى يبلغ من العمر 7 سنوات، يستعطف أمه أن تسمح له بالتنزه فى النيل بواسطة مركب كباقى الأطفال، فترد عليه بلسان حال أم خائفة على ولدها: «لا، مفيش مراكب، واقعد ساكت»، يعاود الطفل مرة أخرى ويشد فى كتف أمه و«يتنطط» كطفل غاضب من عدم تلبية رغبته، والسماح له بفسحة لدقائق معدودة وسط مياه النيل ومشهده الخلاب وطبيعته الجذابة، وفى النهاية باءت محاولة الطفل بالفشل بسبب سيطرة الخوف على الأم من تكرار حوادث غرق المراكب فى النيل. يقول متولى سعيد ريس المراكب، بمرسى حمادة عيد أمام ماسبيرو، إن حادث غرق المركب سيؤثر على حركة المراكب خلال أسبوع مقبل أو أكثر، ويضيف: «بعد الحادث كل ما نقول لأى أحد مركب فى النيل يرد يقولنا «مش كفاية اللى حصل». وتابع متولى: «أعمل فى هذه المهنة منذ 40 عاماً وأحمل رخصة لمزاولة المهنة حصلت عليها من الهيئة العامة للنقل النهرى، وكل المراكب التى توجد بالمرسى مرخصة ويتم تجديدها كل 3 سنوات بعد معاينة لجنة فنية لحالة المراكب». قال أحد مالكى المراكب، رفض ذكر اسمه: «مش كل الناس اللى بتشتغل هنا معاها رخصة ممارسة المهنة، واتكتب علينا فى الصحف كتير قبل كده كلام مش صح، وده ممكن يأثر على ناس كتير بتاكل هنا لقمة عيش». يُذكر أن هذا النوع من المراكب يحصل على تراخيص من الهيئة العامة للنقل النهرى، وهى الجهة المنوط بها متابعة جميع التراخيص المتعلقة بهذا النوع من المراكب، إضافة إلى التأكد من صلاحيتها من جميع النواحى الفنية والميكانيكية، وتحديد حمولتها واحتياطات الأمان بداخلها والأطقم الملاحية العاملة عليها. وتراقب شرطة البيئة والمسطحات المائية سريان التراخيص ومدى التزام تلك النوعية من المراكب بالحمولة المقررة، فيما تختص وزارة الموارد المائية، ممثلة فى قطاع تطوير وحماية نهر النيل وفروعه، بالحفاظ على النيل من التلوث والتعديات، فضلاً عن العمل على إزالة مسبباته طبقاً للقوانين، وذلك بالتنسيق مع الوزارات والهيئات المعنية. عبر ضفاف النهر تتنوع المراكب النيلية، بعضها كبيرة وزاهية يمتلكها الأغنياء وتجدها فى منطقة الزمالك، وعلى الضفة الأخرى تجد مراكب صغيرة، وهى مصدر سعادة للبسطاء من المصريين، يستطيع أى أحد أن يستقلها فى رحلة نيلية مقابل 3 جنيهات، كما أنه يمكنه عمل رحلة ب300 جنيه، حتى مناسبات الأفراح للعروسين، فليلة زفافهما تتكلف 200 جنيه، وعلى الجانب الآخر تبلغ 40 ألف أو أكثر. كما يمكن أن تجلس على كرسى أمام ماء النيل وتحتسى كوباً من الشاى ب2 جنيه أو ب50 جنيه، فكل شىء متاح وموجود على حسب قدرتك. اصطحبنا كريم، أحد أبناء الحاج عيد صاحب أحد المراسى، فى رحلة قصيرة لم تستغرق نصف ساعة داخل أحد المراكب، وبدأ المركب يتحرك، والأغانى الشعبية بصوتها العالى والناس ترقص على سطح المركب وكأنهم يسرقون الفرحة ولو لبضع دقائق فى ظل هذا الجو الملىء بالتوترات السياسية فى مصر. يتجمع على المركب المحبون والعائلات والشباب والبنات كل منهم تمثل له الرحلة مصدراً خاصاً لحالة من السعادة يعيشها هو وحده وسط مشهد رائع لمياه النيل. يحكى كريم ابن ال17 عاماً، : «لا يوجد فرق بين واحد والتانى، الكل بييجى هنا علشان ينبسط زى ما انت شايف، ناس بتيجى الصبح وناس بتيجى بالليل، وفى ناس مزاجها كل يوم تيجى بعد منتصف الليل وتأخد مركب مخصوص للفسحة أو للصيد، (ونحن نسير بجوار أحد المراكب الكبيرة الفاخرة على الضفة الأخرى)، مفيش فرق بين المركب اللى احنا عليها والمركب الكبيرة، الفرق الوحيد بس إن هنا ممكن تتفسح ب3 جنيه ولكن هنا ممكن تقعد بأكتر من 200 جنيه». هناك العديد من الحوادث التى سبقت حادثة الجمعة الماضى، وكان أشهر تلك الحوادث حادثة غرق مركب بطرة حلوان فى نفس هذا الشهر من عام 2010، حيث استقل 19 فتاة فى رحلة تابعة لكنيسة مارمينا وبصحبتهن 3 مشرفات من الكنيسة مركباً فى النيل، وتسبب سائق المركب غير الصالحة للإبحار فى مصرع 4 فتيات وإصابة 4 أخريات وفقدان 7 أشخاص.