لم أعد نفس الإنسان الذى أتصور أننى كنته. ضاع الطفل داخلى، وتاهت براءتى. قلبى الأبيض جرحوه، وألقوا بسواد نفوسهم داخله، وجعلوه صندوق قمامة لرغباتهم وشرورهم. كانت حياتى سهلة بسيطة بريئة. النهر كان صديقى، والفجر شاهد أحلامى الناعمة. أفرح للمطر إذا جاء، وأحزن عندما تذهب الشمس للنوم ساعة الغروب. اجتهدت فى أن أحب كل الناس؛ هؤلاء الذين يمشون فى الشوارع ولا أعرفهم ولا يعرفوننى. ما تقاعست يوماً عن مد يدى لأى محتاج أو ملهوف. أحببت الناس والطيور والحيوانات. أحببت السماء والبحر والسحابات البيضاء. عشقت الشتاء وانتظرت الصيف فى شوق. خفت من البرق والرعد، واحتميت فى صدر أمى. الذى كان فى قلبى كان على لسانى، لكنهم علمونى الكذب وأجبرونى عليه. تعاملت مع الناس بقلبى ومع نفسى بعقلى، وحاسبت نفسى حساباً عسيراً، لكن لم أجد أحداً يعرف معنى الرحمة. مشيت على الطريق المستقيم، ووجدت كل من حولى لا يعرف إلا الالتواء واللف والدوران. لم أكن ملاكاً لكنى أبداً لم ألعب دور الشيطان. أخطأت ولم أتهرب من سداد فاتورة أخطائى، وأجبرنى البعض على دفع ثمن أخطائه وخطاياه. كنت أحلم بأن يكون لى جناحان وأطير فى السماء، لكنهم استدرجونى معهم إلى تحت سابع أرض. وحلمت أن أسافر عبر البحار، فأغرقونى إلى القاع، حتى لا أتنفس وأغرق. ملامحى الجميلة التى خلقنى الله بها شوهوها وجعلونى مسخاً مثلهم. خلقنى الله أعرف كيف أزرع الورود، وعلمونى صناعة السيوف وخناجر الغدر. لم أعد نفس الإنسان الذى كنته وعرفته . أنا إنسان أو «كائن» آخر لا أحبه ولا أريده. أنا.. لست أنا!