منذ عدة أعوام فوجئت بقرار الرئيس المخلوع بالاستفتاء على تغيير المادة 76 من الدستور الخاصة بانتخاب الرئيس بدلاً من الاستفتاء عليه، وظننت -وبعض الظن إثم- أن الرجل يريد أن ينهى ولايته بوضع نظام ديمقراطى لأول مرة فى مصر، وفى غمرة الفرحة من ظاهر هذا القرار، وقبل أن يتبين لى خبث باطنه من أجل تفصيل منصب الرئيس على الوريث، تخيلت أن هناك رئيسا قادما، وكتبت مقالا بعنوان «رسالة من الحسن البصرى إلى الرئيس القادم» الذى لا أعرفه. والآن بعد أصبح الحلم حقيقة بفضل ثورة 25 يناير التى أعادت الروح إلى جسد الشعب المصرى الذى ظن البعض أنه قد مات وأصبح جثة هامدة، وبعد أن أصبح لدينا لأول مرة رئيس منتخب من خلال انتخابات حرة نزيهة أعيد نشر رسالة الحسن البصرى إلى عمر بن عبدالعزيز عندما تولى الخلافة وسأله أن يكتب إليه بصفة الإمام العادل -مذكراً الرئيس مرسى بها- حيث كتب إليه الحسن رحمه الله يقول: «اعلم يا أمير المؤمنين أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل، وقصد كل جائر، وصلاح كل فاسد، وقوة كل ضعيف، ونصفة كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف. والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالراعى الشفيق على إبله، الرفيق الذى يرتاد لها أطيب المراعى ويذودها عن مرات التهلكة، ويحميها من السباع ويكنفها من أذى الحر والبرد، وهو كالأب الحانى على ولده، يسعى لهم صغارا ويعلمهم كباراً، يكتسب لهم فى حياته. ويدخر لهم بعد مماته. وكالأم الشفيقة البارة الرفيقة بولدها حملته كرها ووضعته كرها، وربته طفلا، تسهر بسهره، وتسكن بسكونه، ترضعه تارة، وتفطمه أخرى، وتفرح بعافيته، وتغتم بشكايته، وهو وصى اليتامى وخازن المساكين، يربى صغيرهم، ويمون كبيرهم. والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوانح، تصلح الجوانح بصلاحه، وتفسد بفساده، وهو القائم بين الله وعباده، يسمع كلام الله ويسمعهم، وينظر إلى الله ويريهم، وينقاد إلى الله ويقودهم، فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملكك الله كعبد ائتمنه سيده، واستحفظه ماله وعياله، فبدد المال، وشرد العيال، فأفقر أهله، وفرق ماله. واعلم يا أمير المؤمنين أن الله أنزل الحدود ليزجر بها عن الخبائث والفواحش فكيف إذا أتاها من يليها؟ وأن الله أنزل القصاص حياة لعباده، فكيف إذا قتلهم من يقتص لهم؟ واذكر يا أمير المؤمنين الموت وما بعده، وقلة أشياعك عنده، وأنصارك عليه، فتزود له، ولما بعده من الفزع الأكبر. واعلم يا أمير المؤمنين أن لك منزلا غير منزلك الذى أنت فيه، يطول فيه ثواؤك، ويفارقك أحباؤك، ويسلمونك فى قعره فريدا وحيدا، فتزود له ما يصحبك «يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه». واذكر يا أمير المؤمنين إذا بعثر ما فى القبور وحصل ما فى الصدور، فالأسرار ظاهرة، والكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، فالآن يا أمير المؤمنين وأنت فى مهل، قبل حلول الأجل وانقطاع الأمل، لا تحكم يا أمير المؤمنين فى عباد الله بحكم الجاهلين، ولا تسلك بهم سبيل الظالمين، ولا تسلط المستكبرين على المستضعفين، فإنهم لا يرقبون فى مؤمن إلاً ولا ذمة، فتبوء بأوزارك وأوزار مع أوزارك، وتحمل أثقالك وأثقالا مع أثقالك، ولا يغرنك الذين يتنعمون بما فيه بؤسك، ويأكلون الطيبات فى دنياهم بإذهاب طيباتك فى آخرتك، ولا تنظر إلى قدرتك اليوم، ولكن انظر إلى قدرتك غدا، وأنت مأسور فى حبائل الموت، وموقوف بين يدى الله فى جمع من الملائكة والنبيين والمرسلين، وقد عنت الوجوه للحى القيوم. إننى يا أمير المؤمنين وإن لم أبلغ بعظتى ما بلغه أولو النهى من قبلى فلم آلك شفقة ونصحا، فأنزل كتابى إليك كمداوى حبيبه بسقيه الأدوية الكريهة، لما يرجو له فى ذلك من العافية والصحة، والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته».