«أى صعوبة فى الدنيا ماتهمش، أوعى حد يخاف من حاجة غير ربنا، من جدّ وجد وكله بمجهود البنى آدم، اللى هايتعب ويشتغل هيلاقى واللى هيكسل ما يزعلش من الدنيا بقى»، حكمة عمرها 81 عاماً خرجت بتلقائية على لسان رجائى محمد رفاعى، صاحب أقدم ورشة أشغال معدنية فى ميدان عبدالمنعم رياض، طوال 63 سنة، تابع من ورشته أخبار الحروب، النكسة والنصر، أفراح وأحزان ميدانى التحرير وعبدالمنعم رياض، لم يتغيب عن ورشته يوماً، ولم يكفر بمهنته رغم أن ظهور الكمبيوتر قضى عليها تقريباً. «أنا كان بإمكانى أقفل الورشة دى وأقعد فى البيت، مستورة والحمد لله، أصلى قعدت فى السعودية شوية، لكن أنا لسه بنزل وآجى من بيتى اللى فى الساحل لحد هنا، وأفتحها والناس تشتغل، عشان البيوت ماتتقفلش والدنيا تفضل ماشية، وأدينى قاعد وسطهم، أيام الثورة ماقفلتش ولا يوم، الظباط حفظوا شكلى وكانوا بيخلونى أعدى وأوصل». تنتج ورشة «عم رجائى» أشغال صاج خاصة بالشركات الكبرى مثل الحافظة الصاج التى توضع فيها بطاقات تعريف الموظفين، وحضورهم وانصرافهم، و«الكاردكس» وهو عبارة عن درج به عناوين وأرقام تليفون الموظفين أيضاً، لكن كلاً من هذا وذاك لم تعد الشركات تستخدمه، فقد حل الكمبيوتر مكانها، وأصبح الحضور والانصراف بالبصمة، والعناوين والأرقام فى ملفات على أجهزة كمبيوتر الشركات، وهو ما يعلق عليه الرجل ببساطة وابتسامة قائلاً: الكمبيوتر بوظ لنا شغلنا». يحكى الرجل الثمانينى حكاية الميدان كما يعرفها، قائلاً: الشارع اللى قدامى ده كان اسمه شارع شركس، وكنا بنقول على الصينية ميدان شركس، بصراحة الدنيا هنا كانت خربانة زمان، والشارع تعبان، فيه مبانى اتهدت، وأرض فاضية اتبنت، الدنيا اتغيرت، وبقينا قدام ميدان واسع صلاة النبى عليه، سموه عبدالمنعم رياض على اسم القائد العظيم اللى اليهود نشنوا عليه من وسط زمايله، أنا مواليد 27 يناير 1931، حضرت وعشت كل الحروب من أول الحرب العالمية التانية لحد الثورة، أصعب لحظات عدت عليّا فى كل ده هى النكسة، بعدين السادات جاب لنا النصر الله يرحمه بطل». ويقول: «أنا حضرت شغلانة الثورة دى من يوم 25 يناير لحد دلوقتى، على فكرة مكنتش متخططة، شوية مظاهرات لكن ربنا بارك والعدد زاد لحد ما محمد مرسى بقى الرئيس، راجل متحمس وثورجى وبيقول اللى فى قلبه ربنا يعينه، لكن من الإخوان، ودى المشكلة، أنا حضرت أيام حسن البنا، وقابلته، كان الإخوان لهم أسلوب كويس، بعدين بدأوا بقى فى الاغتيالات، موتوا المرحوم محمود فهمى النقراشى، وبعدين حاولوا يقتلوا جمال عبدالناصر، دى النقطة السودا اللى فى حياتهم، وهم كمان اتبهدلوا أنا فاكر رئيس الوزراء إبراهيم عبدالهادى باشا كان بيعمل فيهم إيه، بهدلهم آخر بهدلة، وآديهم وصلوا للكرسى اللى كانوا عاوزينه، بالانتخابات، وأنا نفسى أقول لمرسى: إحنا كنا بنتريق على الهند ونقول أحنا مش هنود دلوقتى سبوقنا ب100 سنة». الطريف أن «عم رجائى» مجرد عامل فى الورشة، لكن أصحابها لا يطالبونه بإيجار، يبدو أنهم نسوا أنهم يملكون ورشة، يقول: «بشتغل من وأنا عمرى 7 سنين، بدأت حياتى ترزى ماعجبنيش، اشتغلت حداد وجيت هنا فى الورشة دى، بعدين سافرت السعودية اشتغلت مشرف على الإنتاج فى مصنع، ورجعت صاحب المحل هنا اتمسك بيا، كان ناصح، عارف إنى راجع معايا فلوس وهافتح ورشة أزاحمه فحب يستفيد منى، كان راجل إنجليزى اسمه إدوارد جورج حاصبانى، صاحبة المحل دلوقتى نمساوية لكن مش مهتمة بالمكان»