حكى عمنا الكبير الراحل محمود السعدني في كتابه "مسافر على الرصيف" أن شاعرا مشهورا غنى له كبار المطربين، وعلى رأسهم محمد عبدالوهاب وأم كلثوم، كان يعاني حالات نفسية غريبة تأتي له على شكل "نوبات" حادة، فكان مثل الشخصية المعروفة في الأدب الإنجليزي الدكتور "جيكل والمستر هايد"، الرجل ذا الوجهين. ومن ذلك أن الشاعر كان يستقبل الكاتب الشاب وقتها "وديع فلسطين" في منزله ليقرآ الشعر الأوروبي معا. وإذ هما يقرآن شيئا من أعمال الشاعر الرومانتيكي الحالم جون كيتس، ذات مساء، ظهرت قطة يبدو أنها جائعة على باب الغرفة وراحت تموء في استعطاف، فما كان من شاعرنا إلا أن أخرج "طبنجة" من درج مكتبه وشد الأجزاء وأطلق عليها رصاصة واحدة في الرأس، فأرداها صريعة على الفور، ثم وضع المسدس في الدرج بهدوء، وكأن شيئا لم يكن! وفزع "وديع" مما فعله مضيفه الشاعر، الذي كان منذ لحظات أرق من نسمة الجنوب، فهب واقفا وسأله مذعورا: ليه عملت كده يا أستاذ؟! قال له الشاعر ببساطة: عشان تبطل "وداعة"! والطريف أن صحيفة "الحياة" الصادرة في لندن سألت "فلسطين"، في حوار معه، عن هذه الواقعة فأنكرها تماما، مؤكدا أنها من "بنات خيال" السعدني، فقد كان "الولد الشقي" وصديقه كامل الشناوي يعطيان رواد "قهوة عبد الله" في الجيزة قديما، دروسا مجانية في "فن التشنيع"! وكان "كامل" وأخوه مأمون الشناوي هما المنافسين الوحيدين للسعدني في سوق التشنيع، إذ يحكى أن محاميا فتح مكتبا في بيت مجاور لمنزل "آل الشناوي"، وكان الأخوان، الطالبان آنذاك في "التوجيهية"، يذهبان إلى مدخل هذا البيت ليدخنا السجائر بعيدا عن رقابة الأسرة، فمنعهما المحامي من ذلك، بل إنه وشى بهما إلى العائلة. وفي الليل، أحضر الشقيقان سلما وفرشاة وبويه، وصعدا إلى لافتة غريمهما التي كان مكتوبا عليها "فلان الفلاني: المحامي أمام المحاكم الأهلية"، ومحوا كلمة "أمام" وكتبا بدلا منها "خلف"، فأصبحت اللافتة: "فلان الفلاني: المحامي خلف المحاكم الأهلية"، وفي الصباح كانت فضيحة، فترك الرجل المكتب هاربا! ومن أشهر معلمي التشنيع الكاتب الساخر إبراهيم المازني، الذي استهدف الكثيرين من معاصريه بسهام سخريته، ومنهم "شاعر البؤس" عبد الحميد الديب، وكان هذا يعاني من صحبة فقر مزمن "وكأنه عبلة والفقر عنتر"، كما قال عن نفسه. وفي أحد أعداد مجلة "الكشكول" الصادرة أيام الحرب العالمية الثانية، كتب المازني خبرا هذا نصه: قصفت طائرات "المحور" بقيادة النازي هتلر مساء أمس حي الظاهر بالقاهرة، وانفجرت إحدى القنابل "طبيخا"، فهُرِع الشاعر المعروف عبد الحميد الديب إلى مكان الحادث قبل وصول البوليس!