في رحلة الحياة نلتقي بعدد محدود جداً من الشخصيات التي أطلق عليها توصيف «المدار» إنهم هؤلاء الذين ما أن تقترب منهم حتي تجد نفسك وقد صرت درويشاً في الحلقة لا تستطيع الفكاك.. علي رأسهم كاتبنا الكبير «محمود السعدني» كل من اقترب منه صار من حوارييه.. هؤلاء الحواريون يجدون أنفسهم لا شعورياً وقد صاروا يحملون جينات «سعدنية» في الأداء الصوتي والحركي وبعضهم عندما يمسك بالقلم تسيطر عليه أيضاً روح «السعدني».. لم ألتق كثيراً مع عمي «محمود السعدني» كنت أدرك كل هذه المخاطر والتي اعتبرها الزملاء ولهم كل الحق مزايا.. الأستاذ «محمود السعدني» اعتبرته عمي الثالث بعد «كامل الشناوي» و«مأمون الشناوي».. العلاقة بينهم بلا انفصام.. رحل «كامل الشناوي» عام 65 و«مأمون الشناوي» 94 «السعدني» كان حريصاً في أكثر من حوار وكتب أكثر من مقال يؤكد أن أساتذته خمسة هم «بيرم التونسي»، «كامل الشناوي»، «زكريا الحجاوي»، «عبد الرحمن الخميسي»، «مأمون الشناوي» ولهذا كان «محمود السعدني» هو الأقرب لكي أدخل إلي عرينه ولكني اكتفيت بأن ألتقي به أكثر من خلال مقالاته وكتبه.. أستاذ في الصياغة الصحفية التي تحمل نقداً لاذعاً وفي الوقت نفسه تتمتع بحس أدبي عال.. حكي لي مرة أنه عندما كان يعمل بجريدة «الجمهورية» وقت أن كان رئيس التحرير «كامل الشناوي» وسأله «كامل بيه» لماذا تحرص علي أن يكتب «فلان الفلاني» باباً أسبوعياً في الجريدة وهو كاتب ثقيل الظل.. فأخذه من يده إلي الشباك وقال له أنظر في الشارع هل كل هؤلاء من أصحاب الدم الخفيف أجابه «السعدني» قائلاً «بالتأكيد لا» وعلي الفور قال له «كامل الشناوي» هذا الكاتب يكتب لمن هم «بالتأكيد لا».. واستفاد «السعدني» من هذا الدرس عندما تولي رئاسة تحرير العديد من المطبوعات وهو ألا يجعل فقط ذوقه الخاص هو الفيصل بل يترك الآخرين يكتبون بأسلوبهم.. حكاية أخري رواها لي «مأمون الشناوي» عن «محمود السعدني» وهي أنه في بداياته رشحه للعمل معه في مجلة اسمها «كلمة و2/1» واختار له قسم الحوادث وكان «محمود السعدني» هو أنشط صحفي يكتب تقريباً كل أخبار الجريمة.. وبما لديه من أسلوب لاذع وخيال جامح كان يضيف الكثير إلي الخبر.. ثم جاءت تكذيبات من بعض أقسام الشرطة.. استدعي «مأمون الشناوي» السعدني وطلب منه ألا يكتب فقط سوي الخبر وبعد أن قرأ «مأمون الشناوي» الأخبار الخالية من اللمحة «السعدنية» قال له اكتب ولا يهمك تكذيب الشرطة!! كان «السعدني» في حالة إبداعية دائمة كاتباً أو متحدثاً ظهر له عشرات من التلاميذ نصفهم موهوبين ونصفهم موهومين ولكن حتي هؤلاء الموهومين تستطيع أن تقرأ لهم وتستمتع بما يكتبون، لأن في جيناتهم شيئًا من عمي «محمود السعدني»!!