كان تشكيل الحكومة الجديدة بعد 30 يونيو إيذاناً ببدء العمل لإزالة آثار الحكم الفاشل للرئيس المعزول بقدر ما تستطيع خلال الفترة الانتقالية القادمة. ومن المطلوب أن تبدأ الحكومة الجديدة أعمالها بطرح برنامجها على الشعب حتى يمكن للكافة المشاركة فى تحديد أهداف المرحلة وترتيبها بحسب الأولويات التى تحقق مطالب الناس الملحة. وفى ظنى أنه يجب أن يخصص الاجتماع الأول لمجلس الوزراء فى الاتفاق على عناصر برنامج الحكومة وإعلانه للناس ويتبع ذلك أن يقوم الوزراء كل فى اختصاصه بطرح برامج الوزارات المختلفة تنفيذاً للبرنامج العام للحكومة وليس قبل إقرار ذلك البرنامج. وتأتى قضية استعادة أمن الشارع المصرى على رأس أولويات العمل الوطنى لمواجهة حالة الفوضى والعنف الممنهج التى تثيرها جماعة «الإخوان المسلمون» ومشايعوها فى محاولة يائسة لإعادة الزمن إلى ما قبل الثالث من يوليو. إن الأولوية القصوى لاستعادة الأمن تكمن فى التعامل القانونى الصارم مع قتلة المواطنين السلميين ومثيرى الشغب والمعتدين على رجال الشرطة من الذين يحتلون محيط مسجد رابعة العدوية ومنطقة تمثال نهضة مصر والذين يكررون محاولاتهم فى حصار مدينة الإنتاج الإعلامى، ومختلف بؤر الفتنة الإخوانية فى المحافظات. ولا شك أن اهتمام أجهزة الأمن يجب أن يتجه فى المقام الأول إلى فض الاعتصامات التى أفسد بها المعتصمون حياة ساكنى مناطق الاعتصام غير القانونى من تلويث للبيئة وترويع للمواطنين وقطع للطرق المحيطة وتعطيل للعمل ومصادرة لأرزاق العاملين فى تلك المناطق. ولو أن قضية استئصال شأفة الإرهاب فى سيناء تقع بالدرجة الأولى فى نطاق مسئولية القوات المسلحة والشرطة وأجهزة الأمن، فإن على الشعب أن يساند تلك المهمة الوطنية بكل الطرق التى تسمح بإنجازها فى أسرع وقت. وتتمثل مسئولية الشعب فى التعاون الشعبى والتكافل المجتمعى بهدف تأمين الجبهة الداخلية للوطن مستعيداً أجواء نصر العاشر من رمضان 1973، وأجواء الخامس والعشرين من يناير 2011 والثلاثين من يونيو 2013 وما ساد بين المصريين فى تلك الأيام الخالدة من محبة وتكافل وتوافق على تغليب مصالح الوطن فوق كل المصالح الذاتية. وستكون الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدنى والمنظمات الحقوقية فى مقدمة طوائف المجتمع المطالبة بنبذ خلافاتها وحشد طاقاتها من أجل تأمين الجبهة الداخلية والاستعداد بقوة وبالعمل مع الجماهير لكسب الانتخابات التشريعية القادمة وتدعيم أسس الديمقراطية والدولة المدنية فى مصر. قضية أخرى يجب أن تحظى باهتمام الفريق الاقتصادى فى الحكومة الجديدة وهى بالقطع ليست غائبة عن إدراك المسئولين وهى التنشيط السريع للطاقات الإنتاجية لقطاع الأعمال العام بما يضمه من قلاع صناعية فى مجالات الغزل والنسيج، والأدوية، والصناعات الهندسية والكيماوية والنقل البرى والبحرى والنهرى. إن المطلوب الآن تصحيح ومعالجة ما تعرض له قطاع الأعمال العام من عمليات خصخصة غير واعية بمصالح الوطن، وإهمال فى تجديد معداته وتطوير تقنيات الإنتاج فيه، والشح فى توفير التمويل اللازم لمواصلة الإنتاج. وفى ضوء عدم تخصيص وزارة لشئون قطاع الأعمال العام فى الحكومة الجديدة، فليس أقل من إسناد مسئولية الإشراف عليه إلى وزير القوى العاملة الأخ كمال أبوعيطة فهو الأعرف بمشكلات شركات قطاع الأعمال العام واحتياجاتها بحكم خبرته السابقة ومسئولياته الحالية. ومن المهم دراسة إعادة هيكلة القطاع ودمج الشركات القابضة فى شركة قابضة واحدة تتكامل فيها مهام التخطيط الاستراتيجى للشركات التابعة ودراسة وتوفير إمكانيات التمويل والتطوير التقنى، فى نفس الوقت إتاحة الفرص الكاملة لمجالس الإدارة والإدارات التنفيذية بشركات القطاع لحرية العمل وفق مبادئ وأساليب الإدارة الحديثة ومن ثم تحمل مسئولياتها كاملة عن نتائج الأداء. وقد يكون فى مقدمة عناصر البرنامج المتوقع للحكومة الجديدة التعامل الجاد والحاسم مع موضوع دفع التنمية المحلية والتوسع فى تطبيق اللامركزية فى المحافظات وأجهزة الوحدات المحلية. ويتطلب تحقيق هذا الهدف الحرص التام فى اختيار المحافظين الجدد على أساس الكفاءة والمقدرة الفنية والإدارية، وتنقية الأجهزة المحلية على جميع المستويات من آثار سياسة «التمكين والأخونة» التى مارسها الحكم الذى أسقطه الشعب فى 30 يونيو ومراجعة ملفات كل من تم تعيينهم أو ترقيتهم على غير أساس الكفاءة والاستحقاق فى فترة الرئيس المعزول سواء فى أجهزة وزارة التنمية المحلية أو المحافظات والوحدات المحلية. ولا شك أن تحديد برنامج تشريعى واضح للحكومة الجديدة يمثل ضرورة وطنية لتوضيح المسار للتشريعات الواجب إصدارها خلال الفترة الانتقالية الجديدة للتمكين من تنفيذ خارطة المستقبل التى ارتضتها جموع الشعب وساندتها القوات المسلحة وصولاً لبناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة فى مصر المستقبل. وتضم قائمة التشريعات المطلوبة قانوناً للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية يحدد آليات العدالة الانتقالية وأسس المصالحة الوطنية ويبين كيفية تحقيق أهداف الانتقال بالوطن من مراحل الحكم الاستبدادى والانحياز للفصيل الحاكم الساقط إلى مرحلة استقرار مبنى على إعمال القانون لمحاسبة كل من أساء إلى قضايا الوطن والاعتداء على حقوق المواطنين، بناء على حصر تركة تجاوزات الماضى بغية كفالة المساءلة وإقامة العدالة وتحقيق المصلحة. وفى نطاق استعراض مجالات الاهتمام الأولى بالرعاية فى برنامج الحكومة الجديدة تتضح ضرورة تحسين مستوى الخدمات العامة التعليمية والصحية وخدمات مياه الشرب والصرف الصحى التى تدنى مستواها على مدى سنوات الحكم قبل ثورة 25 يناير وفيما بعدها وبخاصة فى عهد الرئيس المعزول بإرادة الشعب. والنصر لمصر.