عقارب الساعة تشير إلى الخامسة عصرا، الاستعدادات للإفطار تتم على قدم وساق، فى مدينة نصر وفى محيط «رابعة العدوية»؛ حيث يعتصم مؤيدو الرئيس، بدت الأعداد أقل مما بدأ عليه الاعتصام، بفعل حرارة الجو والصيام، وبفعل قرار بعض المعتصمين المجىء بعد الإفطار فقط.. ساعات الصيام مقسمة بحساب، أغلبهم يقضيها نوما أو قراءة للقرآن، فيما تخصص بعضهم فى الإعاشة وتجهيز الإفطار. «اشترى يا بيه، اشترى يا شيخ، كارت الشرعية بجنيه».. هتافات يرددها مجموعة من الصبية يحملون بين أيديهم كروت تأييد شرعية د. مرسى لجذب انتباه المارة على جنبات الطريق، الخيام منتشرة بالشارع الرئيسى فى الميدان وعدد من الشوارع الجانبية المحيطة بمسجد رابعة، الأخوات يحتشد أغلبهن أمام المنصة، والأخريات خلفهن ينظفن ملابس أزواجهن وأطفالهن، أما الشباب فقسموا أنفسهم مجموعتين، الأولى تملأ المياه الباردة للمعتصمين، والثانية تتفق مع عدد من محال الطعام المجاورة لمسجد رابعة لإعداد الوجبات المختلفة.. شاب عشرينى يقف أمام أحد محال الشواء ينظر بعينين ثاقبتين قائمة الطعام قائلا: «عاوز 8 وجبات وزود السلطات»، ويرد عليه أحد العاملين بالمطعم: «قبل المدفع تعالى خد طلبك يا شيخ»، بعض الأسر اكتفت بشراء الفول المدمس باعتباره «الأضمن»، على حد تعبير أحد المعتصمين، وتقول أم عبير: «أنا أختى بتروح تطبخ هى وبناتها، هى يوم وأنا يوم لحد ما رمضان بإذن الله يخلص على خير». «ارحل ارحل يا سيسى.. مرسى هو رئيسى».. هتافات انطلقت من طفلة فى الخامسة من عمرها تقبع إلى جوار خيمة والديها تحمل بين ذراعيها «دُفاً» تقرع عليه، مطالبة الفريق عبدالفتاح السيسى بالرحيل، اعتراضا منها على أحداث الحرس الجمهورى بحسب رؤى بعض المارة، رجل خمسينى يتفحص لوحة كبيرة معلقة بعرض خيمتين دُون عليها كشف بأسماء الضحايا الذين قُتلوا فى أحداث الحرس الجمهورى والبالغ عددهم 55 متوفى، وأيضا كشف بأسماء الأشخاص الذين تم إلقاء القبض عليهم من قبل الجهات الأمنية والبالغ عددهم قرابة 570 شخصا وأماكن احتجازهم.. تنهيدة قصيرة ثم تنطلق منه عبارات تحمل مزيدا من الأسى قائلا: «يا حول الله، شباب زى الفل منهم دكاترة ومدرسين وطلبة فى الأزهر يعملوا فيهم كده ليه؟ حسبى الله ونعم الوكيل فيك يا سيسى، دعوة صائم قبل الفطار»، مجموعة من المعتصمين يتفحصون الكشف بحثاً عن ذويهم الذين لم يحالفهم الحظ فى تلك الأحداث؛ فيقول شاب فى الثلاثين من عمره لزميله: «يعنى الجيش قتل اخواتنا فى منتصف الفجر، وما كفاهُمش كده بس، دول خدوا الباقى فى الرجلين وحطوهم فى الحبس مع المجرمين والتهمة إنهم بيدافعوا عن شرعية الصندوق ورئيسنا مرسى»، فيرد عليه الآخر قائلا: «لما يقولوا إن اللى بنعمله إرهاب أمال اللى بيعملوه هما فينا إيه؟ بس مش مهم، النصر عن قريب». «النتيجة 6 - 4 لمحمد، هتلعب دور كمان ولا كفاية عليك كده؟».. داخل الشوارع الجانبية تجد مجموعة من الشباب يتنافسون أمام طاولة على لعب «البنج بونج»، رجل أربعينى ينظر إليهم مبتسما ويردد: «عاش يا شباب بتسلوا صيامكم بالرياضة، هى دى أخلاق الصالحين، ألا ليت الشباب يعود يوما»، من جانب آخر، اكتفت الشابات الأخوات بحمل «جراكن» مياه وزجاجات بلاستيكية ل«رش» المعتصمين بالماء لتخفيف حرارة الشمس الحارقة أثناء اللحظات الأخيرة من الصيام فيقول عم محمد لإحدى الأخوات: «معلش يا بنتى اتعبوا شوية وأدينا فى انتظار الأوامر.. أما نشوف نهاية الاعتصام ده إيه».