لم يقدم الإخشيديون لمصر ما كانت تطمح إليه.. فقد ضربت الفوضى أرجاء البلاد فى عهدهم الذى لم يستمر طويلاً.. وإن استمر الشكل السياسى لها أنها ولاية عباسية.. فى كل تلك الأثناء كان هناك فى أقصى الشرق من يراقب الأمور وينتظر.. ليصل إلى مبتغاه فى حكم المحروسة..! إنه معد المعز لدين الله، المعز أبوتميم معدّ بن منصور.. رابع الخلفاء الفاطميين فى تونس.. وأول الخلفاء الفاطميين فى مصر.. والإمام الرابع عشر من أئمة الإسماعيلية.. وكان المعز رجلاً مثقفاً يجيد عدة لغات مولعاً بالعلوم والآداب متمرساً بإدارة شئون الدولة وتصريف أمورها.. كيساً فطناً يحظى باحترام رجال الدولة وتقديرهم.. ولم تغفل عينا المعز لدين الله عن مصر أبداً، فكان يتابع أخبارها، وينتظر الفرصة لكى يبسط نفوذه عليها، فقد كانت الخلافة الفاطمية فى أول الأمر تتجنب مواجهة العباسيين.. ولكن بعد أن قويت شوكتهم وبسطوا نفوذهم على الغرب كله.. كان طموحهم أن تنتقل خلافتهم إلى مركز العالم.. وملتقى القارات.. مصر! وجاءت وفاة كافور الإخشيدى آخر حكام الدولة الإخشيدية لمصر سنة 968م لتزيل آخر عقبة فى طريق الفاطميين إلى غايتهم، فأمر المعز لدين الله أمهر قادته جوهر الصقلى أن يتجه غرباً إلى مصر ليضمها للخلافة الفاطمية.. فدخلها فى السادس من يوليو عام 969 م.. ومنذ ذلك التاريخ انقطعت صلة مصر بالخلافة العباسية.. وانتقلت لعهد جديد.. عهد الخلافة الفاطمية الشيعية! ربما كان الحدث الأهم فى تاريخ الفاطميين فى مصر على الإطلاق هو ذلك اليوم الذى قرر جوهر الصقلى فيه أن ينشئ عاصمة جديدة غير الفسطاط والقطائع.. فقام باختيار مكانها على ربوة عالية.. وقريبة من النيل فى نفس الوقت.. تلك العاصمة التى غدت المدينة الأهم فى تاريخ مصر كله حتى يومنا هذا.. وأطلق عليها فى البداية اسم المنصورية.. فقد كانت العاصمة الفاطمية فى تونس تحمل نفس الاسم.. وكان جوهر الصقلى يعدها لتكون العاصمة الجديدة للخلافة.. لم يكن استقبال المصريين للفاطميين سيئاً على الإطلاق.. فلم يكن أحد يرتاح للإخشيديين لتوتر الوضع السياسى واضطراب الحالة الاقتصادية فى عهدهم.. لذا فقد رحبوا بالدخول تحت حكم الفاطميين الذين كان انتماؤهم لآل البيت كفيلاً أن يتوسموا فيهم خيراً..! والحقيقة أن المعز لدين الله لم يخذل المصريين بالفعل.. فقد قرر سريعاً أن ينقل مقر الخلافة نفسه من المغرب إلى مصر.. فخرج من المنصورية عاصمته فى المغرب.. وحمل معه كل ذخائره وأمواله.. حتى توابيت آبائه.. واستخلف على المغرب أسرة بربرية محلية هى أسرة بنى زيرى.. ليصل إلى عاصمته الجديدة فى مصر.. فلما دخلها.. ورأى استقبال المصريين الدافئ له.. قرر أن يغير اسمها.. فاختار اسماً يرهب به الجيوش التى قد تفكر فى غزوها يوماً ما.. اسماً حملته عبر التاريخ حتى الآن... إنها القاهرة.. وربما لم يخطئ كثيراً! لقد عاش المعز فى القاهرة ثلاثة أعوام فقط قبل أن يتوفاه الله.. ولكن يحسب له فيها الكثير من الأعمال.. ويحسب للخلافة الفاطمية كلها.. أنها أهدت لمصر عاصمتها التى ظلت تحمل اسمها.. الذى يرهب الأعداء دوماً.. القاهرة! وللحديث بقية ما دام فى العمر بقية