يقول الله تعالى: «قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً» (سورة الكهف- الآيتان 103و104). تتحدث هاتان الآيتان الكريمتان عن بشر وصفهم الله تعالى بالأخسرين وليس بالخاسرين، للدلالة على حجم الخسارة التى يقعون فيها، وقد حدد القرآن الكريم هوية وشخصية «الأخسرين» من البشر، بأنهم الأشخاص أو الجماعات التى يضل ويطيش سعيها فى الحياة الدنيا، فى الوقت الذى يعتقد فيه هؤلاء أنهم يفعلون الصواب والأفضل بالنسبة للناس، وبما يرضى المولى عز وجل. إنها حالة إنسانية تجدها فى كل زمان ومكان، وهى تنطبق أكثر ما تنطبق على من يرفعون شعارات دينية فى الحياة، ويزعمون أنهم يدافعون عن شريعة الله، ويريدون لشرعه أن يحكم فى دنيا البشر. وقد تتعجب إذا علمت أن على بن أبى طالب، رضى الله عنه، رأى أن هذه الآية تنطبق على فرقة الخوارج التى كانت تكفّر من يخالفها الرأى وتناصبه العداء وتحل دمه. فرقة الخوارج تلك كانت الأكثر حديثاً بين فرق المسلمين عن شرع الله وضرورة تحكيم شرع الله فى الحياة، وكفّروا كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن بينهم على بن أبى طالب وأبوموسى الأشعرى وغيرهما، ورفعوا السيوف فى وجه من أنكر أفكارهم المريضة، لذلك كان من الطبيعى أن يؤكد على بن أبى طالب رضى الله عنهم أن آية «الأخسرين أعمالاً» تنطبق عليهم. وللنبى صلى الله عليه وسلم حديث يصف فيه هؤلاء بقوله: «يخرُجُ فيكم قومٌ تَحقِرونَ صلاتَكم معَ صلاتِهم، وصيامَكم معَ صيامِهم، وعملَكم معَ عملِهم، ويقرأونَ القرآنَ لا يُجاوِزُ حناجِرَهم، يَمرُقونَ منَ الدينِ كما يَمرُقُ السهمُ منَ الرمِيّةِ». لو أنك فتشت حولك فى تلك الجماعات التى تصف نفسها ب«الإسلامية»، وعلى رأسها جماعة الإخوان، فسوف تجد جباهاً منحوتة ب«زبيبة الصلاة»، ووجوهاً لا تكاد تظهر معالمها من كثافة «الدقون» التى تكسوها فى كل الاتجاهات، وألسنة تتحدث ب«قال الله وقال الرسول»، وحناجر تصرخ مطالبة بالشريعة، وبتحكيم شرع الله فى الناس، وأصوات زاعقة بجلد مخالفيها فى الرأى ونعتهم بالكفر والشرك، والحوار معهم بلغة الدم. كذلك يفعل الإخوان والسلفيون والجماعة الإسلامية والسلفية الجهادية. وهم يفعلون ما يفعلون وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ويدافعون عن الإسلام وقيم الإسلام، فى الوقت الذى يسيئون فيه إلى الدين الحنيف، لأن الإسلام فى غنى عن كل هؤلاء، ورب الإسلام هو الغنى والمسلمون هم الفقراء إليه. ليت هؤلاء يتعلمون من جد النبى «عبدالمطلب» عندما قصد أبرهة بيت الله الحرام يريد هدمه، وتشاور أهل مكة معه حول كيفية التعامل مع هذا الحدث الجلل، فقال عبارته الشهيرة: «للبيت رب يحميه»، أنتم لا تريدون الدين، بل تطلبون الدنيا بأبشع ما يمكن أن يطلبها إنسان. اخسأ يا خاسر منك له!