سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عالم الاجتماع الأمريكى سعيد آرميجوند: مصر ستبقى دولة «بوليسية».. والإخوان يقلدون الأحزاب «المسيحية» فى أوروبا «الجيش» تردد فى دعم الثورة وقوته قيدت جموحها.. و«العسكرى» قاوم مطالب الثوار والسلفيون تيار متشدد ولا يمثلون أغلبية برلمانية
قوة المؤسسة العسكرية حولت 25 يناير إلى «نصف ثورة»، يلخص عالم الاجتماع الأمريكى سعيد آمير آرميجوند، بهذا الوصف، تقييمه للثورة التى أطاحت بنظام مبارك، مبشراً ببقاء مصر «دولة بوليسية»، واحتفاظ الجيش بامتيازاته الكثيرة. يؤكد مدير معهد ستونى بروك للدراسات العالمية بجامعة نيويورك، أن «الإخوان المسلمين» يتجهون لنموذج الأحزاب «المسيحية» وأن السلفيين ليسوا خطرا. ورغم الانفلات الأمنى الذى يعانى منه المصريون، يرى آرميجوند، ذو الأصل الإيرانى، أنه لا يقارن بما شهدته دول كثيرة مرت بظروف مشابهة، بسبب شخصية المصرى الذى يقدس القانون ويحترم السلطة، والدولة القوية جداً، التى يصعب الخروج عليها، فى رأيه؛ لذا فإن الخبير الأمريكى، الذى حضر إلى القاهرة بدعوة من الجامعة الأمريكية، يستبعد انجراف مصر للنموذجين الإيرانى أو الباكستانى، متوقعاً أن تكون «مصر الجديدة» تركيا أخرى. ? لعب الجيش دوراً محورياً فى الثورتين التونسية والمصرية، لكن بنتائج مختلفة، كيف تحلل ذلك؟ - أهم نقاط التشابه بين الجيشين، أنهما محترفان، ومعنيان بالحفاظ على الدولة والدستور، أكثر من الحفاظ على النظام؛ لذا ابتعدا عن أجهزة «دولة المخابرات»، لكن يبقى أن «المصرى» أكثر ارتباطاً بالنظام، من «التونسى»، وأكثر قرباً من أنشطة تلك الدولة، فالجيش التونسى مثلاً أصدر بياناً مبكراً يقول: «ثورتكم ثورتنا ومطالبكم مطالبنا»، أما فى مصر فكان الجيش أبطأ وأكثر تردداً فى دعم الثورة، وإن اختار المصلحة العامة فى النهاية، وليس النظام، معلناً دعمه للمطالب الشرعية للشعب، قبل يوم واحد من نفى مبارك إلى شرم الشيخ فى 11فبراير، كما أظهر المجلس العسكرى تردداً وقلة حماس شديدين فى الاستجابة لكثير من مطالب الثوار. ? هل بدت الثورة المصرية أشد تعثراً فى تحقيق أهدافها بسبب الجيش، برأيك؟ - لا شك أن قوة الجيش الكبيرة جداً، قيدت الثورة، وحدت من جموحها، وجعلتها أكثر اتساقاً مع التقاليد المحافظة التى تحترم سلطة الدولة وحكم القانون، ويجب أن نلاحظ 3 أمور: أولها أن المؤسسة العسكرية قوية جداً؛ لذا لم تقدم تنازلات كبيرة للثوار، من الممكن -طبعا- تنظيم مظاهرة كبيرة أو مظاهرتين فى المستقبل للضغط على المجلس العسكرى وانتزاع بعض المكاسب، كما حدث فى الشهور الماضية، لكن من الصعب مواصلة الضغط عليه لفترة طويلة، خاصة أن انتخابات البرلمان جاءت بقوى محافظة، بعضها -على الأقل- غير متعاطف مع فكرة الثورة، وهو الأمر الثانى، وثالثاً: عدم انهيار وزارة الداخلية، ولا تفكيك «أمن الدولة» رغم الهجمات المتكررة على الوزارة، وبالنظر لهذه الاعتبارات، أتوقع أن يحتفظ الجيش بامتيازاته الكثيرة، وأن تظل مصر «دولة بوليسية»، ولكن بشكل أقل حدة مما سبق، ولا أتصور أن نتائج الانتخابات الرئاسية ستحدث فرقاً يذكر فى هذا الصدد، والحقيقة أن الدستور هو اللعبة الكبيرة المقبلة، وسوف يحدث فرقاً كبيراً فى مستقبل مصر. ? وصفت الثورة المصرية فى دراسة لك ب«الثورة التفاوضية»، ماذا قصدت؟ - لأنها ثورة غير مكتملة أو «نصف» ثورة، وهو ما يسميه بعض العلماء «الثورة التفاوضية»، أى أن الثوار يتفاوضون مع الحكومة أو السلطة القائمة لتحقيق بعض المكاسب، على خلاف الثورات التامة، التى يدمر فيها الثوار الحكومة بأكملها، كما حدث فى ثورات إيران وفرنسا وليبيا. ? ومتى تصبح الثورة تفاوضية؟ - عندما يكون النظام قوياً ومتجذراً، بحيث يتعذر على الثوار اقتلاعه من جذوره، كما حدث مثلاً فى بولندا، حيث كانت المعارضة والدولة بالقوة ذاتها، فبقى الجنرال بيلسودسكى دائماً فى الصورة، وتفاوض الثوار معه، بعد ثورتهم عليه فى 1989، نموذج التحول أو الثورة التفاوضية واضح جداً فى الحالة المصرية إذ إن «العسكرى» أظهر إصراراً شديداً على توجيه كل التطورات الدستورية، بداية من التعديلات التى حرص المجلس على أن يجريها مبكراً جداً، بعد أيام قليلة من نفى مبارك لشرم الشيخ، إلى الإعلان الدستورى، ومجموعة القرارات والمراسيم، التى قفزت بعدها فكرة المبادئ فوق الدستورية، وحاول أن يمرر من خلالها امتيازات كبيرة إضافية للمؤسسة العسكرية، والنتيجة تجدد المليونيات، التى أجبرته فى 23 نوفمبر، على تعهد تقديم الانتخابات الرئاسية عاماً كاملاً. ? قلت، فى دراسة لك عن الثورات العربية، إنها قد تؤتى ثمارها على المدى البعيد أو المتوسط، هل ينطبق هذا التنبؤ على مصر؟ - أظنه ينطبق على الحالة المصرية، وأتوقع أن تشهد تغييرات إيجابية فى السنوات المقبلة، وهناك مؤشرات على ذلك، فالإخوان تغيروا كثيراً، والأجيال الحالية منهم، مثل الكتاتنى ومرسى والعريان، أكثر حداثة ومرونة وبراجماتية من أسلافهم، أمثال الهضيبى، كما أتوقع أن يتطور فكرهم ليكون أقرب للأحزاب الديمقراطية المسيحية. ? ما وجه الشبه بينهما؟ - بعض دول أوروبا، تحكمها أحزاب محافظة، تدعو لاحترام القيم الدينية، كما فى ألمانيا، والإخوان سيقتربون من هذا النموذج خلال 10 إلى 20 سنة، فهم يريدون نموذجاً يحترم الدين ومبادئه، لكنهم حريصون على المجىء عن طريق الانتخابات، وهذا تطور كبير فى فكر الجماعة، التى تنتمى لما يعرف بالإسلام السياسى، الذى لا يؤمن بالديمقراطية أساساً، ويتبنى الشورى والخلافة. ? هناك مخاوف فى مصر من اتجاه مصر للنموذج الإيرانى أو الباكستانى، إلى أى مدى تبدو مبررة؟ - مصر سيكون لها نموذجها الخاص، الأقرب للنموذج التركى، ولكن بشكل أكثر محافظة، فالإخوان لن يضطروا لتقديم تنازلات دينية كبيرة، مثل حزب رجب طيب أردوغان، لسببين: أولهما أنه غير مسموح فى تركيا، بأن يصرح أحد رسمياً بأنه ينتمى لحزب إسلامى، وثانياً لأن الجيش هناك يضغط طوال الوقت ليس فقط للاحتفاظ بامتيازاته -كما هو الحال فى مصر- ولكن لتحقيق أيديولوجية معينة، باعتباره حارس العلمانية، فالجيش التركى علمانى حتى النخاع وليس هذا حال نظيره «المصرى». ? لكن لماذا تستبعد النموذجين الباكستانى والإيرانى؟ - الباكستانى متطرف وفوضوى أكثر من اللازم، ولا أتمناه لأى دولة، وهناك فارق أساسى بين مصر وباكستان،الأولى تعتبر دولة قوية، بينما فى الثانية، يظهر ضعف الدولة جلياً، فى وجود 9 أنواع مختلفة من القوانين مثل البريطانى والباكستانى والإسلامى، وإذا أمسك شرطى بشخص ارتكب مخالفة، يمكنه أن يوجه إليه الاتهام حسب أى من القوانين التسعة، وعادة ما يتوقف حسم ذلك على قيمة الرشوة التى يمكن أن تدفعها لتنجو بجلدك، فى حين أن إيران مختلفة من ناحيتين: أولاهما خفوت الإسلام السياسى بصفة عامة، وأظن أن أيامه انقضت، ولم يعد الإخوان يرفعون شعار: «الإسلام هو الحل»، طبعا هم متدينون، ولكن هناك فارق بين المتدين والدوجماتى، ثانياً ليس لديكم مؤسسات دينية بنفس قوتها فى طهران، على الأقل، رجال الدين عندكم لا يدعون أنهم «آيات الله». ? هل يمكن أن يجرف التيار السلفى الأمور فى مصر لنموذج أكثر تطرفاً؟ - تقديرى أن السلفيين تيار تقليدى متشدد لكنه لا يعتبر تياراً أيديولوجياً، وبعضهم معتدل، كما أنهم لا يمثلون أغلبية داخل البرلمان، ربما مارسوا ضغوطاً ونجحوا فى وضع قيود على تناول الخمور مثلاً، لكن هذا أقصى ما يستطيعونه، وأنا لا أشارك الناس مخاوفهم فى أنهم سينجحون فى تطبيق الحدود أو فرض الجزية على الأقباط، فحتى فى إيران -التى لا يمكن أن تضاهوها فى التطرف- لا تفرض الجزية، وإن كانت هناك بعض القوانين الفرعية التى تميز بين المسلم والمسيحى والرجل والمرأة. ? هل الانفلات الأمنى والعنف فى المشهد المصرى ظاهرة مقبولة بعد أى ثورة؟ - «مندهشاً»: أين العنف الذى تشير إليه؟! فى إيران قتل 3 آلاف إيرانى فى العام السابق للثورة، وقتل 40 ألف إيرانى فى الشهورال18 التالية للثورة، العنف الذى تشهدونه لا يقارن بالعنف الذى شهدته معظم الثورات، والسبب أن الدولة المصرية قوية،كما أن المصريين بطبيعتهم محافظون مسالمون وأكثر هدوءاً وتسامحاً مع العنف من غيرهم.