"موسم" التوقعات الذي تشهده جولة إعادة الانتخابات الرئاسية في مصر، خصوصا بشأن ردود الأفعال الشعبية على نتائج تلك الانتخابات بفوز الفريق أحمد شفيق، بخلفيته العسكرية، أو الدكتور محمد مرسي بمرجعية حزبه وجماعته الإسلامية، يشارك فيه ديفيد شينكر، مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن، بتوقعه سيناريو أكثر تشاؤما، في حواره مع "الوطن"، إذ يقول إن مصر ستشهد عنفا واضطرابات، في حال فوز كلا المرشحين بالرئاسة، مبررا ذلك بأن فوز مرسي قد يهدد حقوق الأقباط والنساء والحريات العامة، لافتا إلى أن أمريكا تفضل شفيق رئيسا لمصر لكنها عاجزة عن دعمه، متوقعا انفجار الصراع بين المجلس العسكرى والإخوان فى حال تفكيرهم فى المساس بامتيازات الجيش أو إخضاعهم لسلطتهم كما فعل "أردوغان" مع الجنرالات الأتراك. شينكر الذي سبق له العمل بمكتب وزير الدفاع كمدير لشؤون دول المشرق، ومستشارا سياسا لوزير الدفاع وكبار قادة البنتاغون للمنطقة العربية، أشار إلى خطورة الموقف فى سيناء، بما يهدد مصر وإسرائيل على السواء، مؤكدا أن جماعة الإخوان لديها أجندة متطرفة لتغيير مصر، وعلاقاتها بالسلفيين ستقلص أى مساحة للاعتدال لديها. وعبر عن دهشته من تشبيه البعض لجماعة الإخوان بالحزب الديمقراطي المسيحي فى ألمانيا، مؤكدا أن حماس الجماعة لإقامة الخلافة الإسلامية ومطالبتهم بفرض الجزية على الأقباط يجعل المقارنة غير مقبولة. ويرى شينكر، الذي يتقن اللغة العربية، والحاصل على ماجستير من جامعة ميشيغان، وشهادة من مركز دراسة اللغة العربية من الجامعة الأميركية في القاهرة، وله عدد كبير من الدارسات والأبحاث عن سياسات الدول العربية، أن لدى الدكتور محمد مرسى ميزة واضحة عن شفيق، وهى أن البنية التحية لجماعة الإخوان وانضباط أعضائها التنظيمي لا مثيل له في مصر، وإذا قرر السلفيون التصويت لمرسى، فمن الصعب تخيل كيف يمكن أن يفوز شفيق، حسب قوله. لكنه في المقابل، لم يغفل الكثير من المصريين القلقين على تدهور الحالة الأمنية، ويرون في الفريق شفيق المرشح القادر على استعادته الاستقرار. قد يفوز شفيق أو قد يفوز مرسي، لكن المؤكد أن فريقا كبيرا من المصريين لن يكونوا راضين في الحالتين، بحسب رؤية شينكر، إذ أن أصحاب التوجهات غير الإسلامية يخشون من احتكار الإسلاميين للسلطة إذا فاز مرسى، والإسلاميون سيدعون التزوير إذا فاز شفيق. وفي تقديره "ستشهد مصر عنفا واضطرابات على الأقل في المدى المنظور". كيف ترى واشنطن المرشحين؟ و أيهما أقرب إلى هواها؟ سؤال أجاب عنه شينكر ل"الوطن"، بقوله: من الصعب أن يؤدى فوز مرسى، من و جهة نظر "واشنطن" إلى التعددية السياسة وحماية الأقليات وتعزيز حقوق المرأة والحريات العامة، خصوصا حرية التعبير، واستمرار دعم اتفاقية السلام مع إسرائيل. وهناك قلق حقيقي أن السياسات التى قد يتبناها مرسى ستؤدى غالبا لمزيد من التدهور في العلاقات المصرية الأمريكية. أما شفيق فغالبا سيبث مزيد من الثقة الدولية في مصر من حيث الاستقرار الداخلي و الانتعاش الاقتصادي واستمرار السياسات الخارجية المعتدلة والبناءة لمصر، ورغم ذلك قال الرجل: حتى لو كانت واشنطن ترغب في دعم شفيق، فإنها ليست في وضع يؤهلها للتأثير على نتائج الانتخابات. وعن إشكالية مستقبل الجيش والسياسة فى مصر، يرى شينكر أن الجيش سيظل يتدخل للعمل على الاحتفاظ بصلاحياته السياسية والاقتصادية والأمنية. وإذا فاز مرسى يمكن أن نتوقع صراعا من الطرفين لاستنساخ "النموذج التركي" لكن المجلس العسكري سيرغب في النموذج التركي فى بداياته، حيث كان لعسكر اليد العليا على الأمن القومي و السياسة الخارجية و لديهم القدرة التحكم والتلاعب بالسياسيين المدنيين، أما الإخوان فسيسعون للنموذج التركي في سنواته الأخيرة حيث يسيطر الإسلاميون، من خلال حزب العدالة و التنمية، على البرلمان والرئاسة، و بمرور الوقت أخذوا خطوط لتقليص صلاحيات العسكر وقد نجحوا، و الآن يخضع العسكر للسلطة المدنية هناك، بل يقضى خمس الجنرالات الأتراك أحكاما بالسجن لتجاوزات سابقة، و إذا فاز الإسلاميون ستشهد مصر صراعا على الطريقة التركية وسيتدخل المجلس العسكرى إذا رأوا أن مصالحهم في خطر. نفوذ واشنطن الآن في مصر محدود، بحسب ما يؤكده شينكر، إذ أن أمريكا لا تريد أن تتدخل بأي طريقة في العملية الديمقراطية الوليدة بمصر، وفي نفس الوقت فإن إدارة أوباما تحاول فك الاشتباك مع الشرق الأوسط والابتعاد عنه، وتفضل أن تركز اهتمامها بآسيا فيما يعرف الآن ب"المحور الأسيوي". لذلك لا تبدو واشنطن مهتمة بشكل خاص بالتطورات في مصر. كما أن كل من سوريا و إيران يمثلان، في الوقت الراهن، أولويتان متقدمتان على مصر. ومع ذلك تبقى مصر، ذات ال83 مليون نسمة، ذات أهمية خاصة لأمريكا في المنطقة. لكن تقدير شينكر، أنه من غير المحتمل أن الإدارة الأمريكية سوف تنخرط في سياسية قوية تجاه مصر في المستقبل القريب، وما يجب أن تفعله الإدارة الأمريكية هو أن توضح بشكل جلى ما تتوقعه من الحكومة القادمة من حيث حقوق الإنسان والحريات الدينية والتعددية السياسية وحماية الأقليات وحقوق المرأة و يمكن للمصريين أن يتخذوا قراراتهم بعد ذلك كما يشاءوا ولكن ستكون لاختياراتهم آثارها على العلاقة مع الأمريكان. أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، يراها شينكر في أمور غير اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، وتبنى مصر سياسات السوق الحرة لمساعدة اقتصادها المريض، رغم تأكيد شينكر فى الوقت نفسه على أهمية ذلك كله لأمريكا. وعن الفراغ الأمني فى سيناء، يقول شينكر إنه مصدر اهتمام متزايد للجميع و يبدو أن القاعدة تبنى لنفسها جذورا هناك وتوجد جماعات إرهابية تستخدم شبه الجزيرة كنقطة انطلاق لعملياتها ضد إسرائيل بما يقوض النشاط السياحي في مصر ويمثل خطرا على القوات متعددة الجنسيات فى سيناء و خطرا على إسرائيل بالطبع و يمكن أن تمتد الآثار الناجمة عن الموقف هناك إلى وادي النيل. وهو ما يشير إليه شينكر بقلق بالغ، إذ يقول أن الموقف يمكن أن يشتعل بين البلدين لأسباب مختلفة، لافتا إلى الحادث الذى وقع في سيناء العام الماضي عندما دخل إرهابيون إسرائيل وقتلوا جنودا إسرائيليين ومدنيين ثم هربوا عائدين لسيناء فطاردهم الإسرائيليون و قتلوا عدة جنود مصريين على الحدود، (بحسب رواية شينكر)، هذه الحادثة كانت في غاية الخطورة، وفي أعقابها هوجمت السفارة الإسرائيلية في القاهرة، و كاد ستة دبلوماسيون أن يقتلوا، ولو كانوا قتلوا بالفعل، لتدهورت العلاقات بين البلدين و اتفاقية السلام بشكل هائل. ولا يعتقد شينكر، أن هناك شخصا واحدا في مصر يريد حربا مع إسرائيل، لكن الأجواء العدائية المتزايدة تجاه إسرائيل سوف تعقد العلاقات و تجعل استمرار الاتفاقية أمرا صعبا، ومع ذلك فالعسكريون يدعمون اتفاقية السلام، وبالتالي يصعب أن نتخيل حربا بين البلدين طالما ظل القرار في أيدهم. وفي معرض تعليقه على قول عالم الاجتماع الأمريكي سعيد أمير أرميجوند بأن جماعة الإخوان قد تتطور إلى كيان سياسى يشبه "الحزب المسيحي الديمقراطي" في ألمانيا، يشير شينكر إلى ما جاء على لسان مرشد جماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع، عن حلم إقامة "الخلافة الرشيدة"، وما يتردد عن احتمال فرض الجزية على الأقباط، (يقول شينكر إنه قرأ تلك التصريحات عبر صحيفة البشاير الإلكترونية بتاريخ 27 مايو الماضي) معتبرا ذلك دليل على أن تحول الجماعة لكيان سياسي على غرار الحزب الديمقراطي المسيحي، فرض غير منطقي، مضيفا: لدى الإخوان أجندة متطرفة لتغيير مصر، وإذا كان لدى الجماعة أى ميول معتدلة فإنهم سيتعرضون لضغوط من جانب السلفيين فى البرلمان لحثهم على أفكار أكثر اتساقا مع الشريعة، خصوصا فيما يتعلق بالسياسات الاجتماعية داخل مصر.