فى عصر يوم الأحد الموافق 24 يونيو 2012 أعلنت اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة عن قرارها التاريخى بفوز الدكتور محمد مرسى بمنصب رئيس الجمهورية، وهو أول رئيس بعد الثورة.. وقد عاش المصريون الأيام السابقة على هذا الإعلان على أعصابهم، حيث اشتعلت حرب الشائعات بشكل مذهل وغير مسبوق، الأمر الذى عصف بمشاعر الناس وأقض مضاجعهم.. وقد لعبت ثقافة الشك والريبة وفقدان الثقة وغياب الشفافية فى ذلك دوراً كبيراً، ولم يكن هناك سقف للاتهامات المتبادلة بين كل الأطراف، ناهينا عن التركة الخربة التى خلّفها المخلوع، وأصبح المجتمع يعانى حالة سيولة وفوضى تفتقر إلى أبسط معايير الأخلاق والسلوك والعقل والمنطق، وهو ما يعنى أننا أمام ظواهر خطيرة تهدد أمن المجتمع وسلامته وعافيته.. من المؤكد أن ذلك سوف يلقى عبئاً ثقيلاً على الرئيس الجديد، يتطلب لمواجهته عزماً صلباً وهمة عالية ووضوحاً فى الرؤية وإرادة لا يتطرق إليها كلل أو ملل. البداية يجب أن تنطلق بإقامة دولة القانون، التزاماً واحتراماً، حتى تعود للحرمات قدسيتها وللحقوق العامة والخاصة مكانتها ومنزلتها، وهو ما يستلزم تنقية ترسانة القوانين مما شابها.. كما لا بد من تحقيق العدالة الناجزة وذلك بتنفيذ أحكام القضاء التى تمثل صمام أمان العدل والاستقرار فى المجتمع.. يرتبط بهذا ضرورة استقلال السلطة القضائية وعدم تعرضها للتغول من أى سلطة أخرى. من المهم أيضاً فى هذه المرحلة أن يقدم الرئيس الجديد خطاباً وسلوكاً تصالحياً مع فئات وشرائح المجتمع كله، فنحن لن نتمكن من علاج مشكلاتنا وحل أزماتنا إلا بتضافر كل الجهود وتكاتف كل القوى، وهذا لن يتأتى إلا إذا نجحنا فى نزع الغل من قلوبنا والأحقاد من صدورنا.. وإذا كنا نريد بناء وطن ناهض، فلا سبيل إلا باستعادة الثقة بين أطراف الجماعة الوطنية، فمصر وطن لكل المصريين، وهى أكبر من أى تيار أو فصيل أياً كان حجمه أو وزنه أو انتشاره.. يجب أن يعلم الرئيس الجديد أن المجتمع يعانى حالة انقسام واستقطاب حاد، بين نظام قديم كان ولا يزال يريد استعادة روحه وحياته، ونظام جديد آخر ما زال فى طور التخلق والتكوين.. ثم إن هذا الرئيس لم يفز على منافسه إلا بأصوات قليلة للغاية، وهذا مكمن الضعف وعدم الرسوخ، وما لم يعمل على رأب الصدع وتجسير الهوة، فسوف تكون العواقب وخيمة، خاصة أن هناك من يسعى لإيقاظ الفتن وإثارة القلاقل. من المهم كذلك إيجاد حل سريع وعاجل، على المدى القصير، لمشكلة الأمن، إذ لن تكون لدينا تنمية أو استثمار أو سياحة أو حل للمشكلات الحياتية التى يعانى منها المواطن المصرى دون أن يتوافر أمن حقيقى يسد كل الثغرات الماضية والحالية، توطئة لوضع علاج جذرى للمشكلة على المديين المتوسط والبعيد. تبقى مشكلة العلاقة بين العسكرى والمدنى ومحاولات عسكرة الدولة، خاصة خلال الفترة الماضية.. ولعل الخطوة الاستباقية التى قام بها المجلس العسكرى بالإعلان الدستورى المكمل الذى جعل القوات المسلحة دولة فوق الدولة وحدَّ من صلاحيات الرئيس الجديد، تعطى انطباعاً بأن المشكلة سوف تلقى بظلالها السلبية على تلك العلاقة، وسوف تكون لها آثارها وتداعياتها على الأوضاع العامة، وهو ما يتطلب حكمة بالغة ورشداً سياسياً عالياً من الرئيس الجديد.