الأسبوع الماضى، خرج البابا تواضروس الثانى عن صمته وتحدث دون تحفظ لبرنامجين متتاليين (جملة مفيدة، هنا العاصمة) والتقى السفيرة الأمريكية وذهب إلى «الاتحادية» للقاء مرسى، حدث ذلك فى ظل انشغاله بانعقاد المجمع المقدس، ورسامة أساقفة، وخلافات كنسية، هذا التسخين المتداخل يجسد التمكين البابوى لزمام الأمور كنسياً ووطنياً، لذلك لم تكن مفاجأة أن يصف البابا العام الأول لمرسى بالمحبط، خاصة أن المواطنين المصريين الأقباط عانوا معاناة مزدوجة فى ظل حكم الإخوان، تارة بصفتهم مصريين وأخرى كونهم أقباطاً، وفى مستهل حديثه قال البابا: «أحاديثى مع الرئيس تليفونياً طيبة، وهذا أمر جيد، ومرسى هادئ، وصوته يمكن أن يوصل رسالة طمأنينة وهذا شىء طيب، ولكن الموضوع ليس صوتاً ولا هدوءاً، ولكنه فعل يجب أن نراه على أرض الواقع»، هكذا عبر البابا عن طريقة حكم الرئيس مرسى، وتعامله مع الكنيسة، خلال لقائه مع الإعلامية منى الشاذلى فى برنامج «جملة مفيدة» (الاثنين 16 يونيو)، وانتقد بشكل مباشر الأداء الرئاسى وتطرق إلى استقالات الفريق الرئاسى واحداً تلو الآخر، واستمرار الأزمات وتفاقمها، وقال: «كل هذه الأمور تدلل للإنسان الواعى، على أن الإدارة ليست جيدة، لبلد عظيم كمصر»، ومن كلمة «محبط» إلى استخدام كلمة «فضيحة»، بهذه الكلمة عبر البابا عن رأيه فى عرض مؤتمر الحوار الوطنى بين الرئيس محمد مرسى وبعض القوى السياسية حول سد النهضة، ووضع البابا تواضروس الثانى الأزهر الشريف على رأس المؤسسات التى تعطى الكنيسة إحساساً بالأمان، ثم مؤسسة الجيش ثم مؤسسة الرئاسة بأقوالها فقط وليس الأفعال، ، موضحاً: «الأزهر ينفرد بالأولوية فى إعطائه الأمان للكنيسة، وشيخ الأزهر الجليل أحمد الطيب يستحق كل خير، وفكره واعتداله ورؤياه أمر يعطى طمأنينة للمصريين بصفة عامة»، مضيفاً: «الأقباط يحبون الطيب لاعتداله»، وتابع البابا: «أما ثانى المؤسسات فهى الجيش»، موضحاً: «هى مؤسسة محايدة لم تتلوث بالتطرف، ومؤسسة قوية وقادرة، وصادقة، لأنها حينما تحملت المسئولية بعد سقوط النظام السابق، تحملتها بأمانة، ولم يكن لديها طموحات الحكم، وهذا شىء يشرفنا، وأنا أعتقد أن كل القادة بداية من وزير الدفاع ورئيس الأركان مخلصون للوطن». وعن مجلس الشورى، قال: «كان الله فى عونه، هو قائم بدور ليس دوره، ويناقش أشياء، المحكمة الدستورية تقول إنها غير دستورية، وهناك علامة استفهام كبيرة حول المجلس». «هناك من يزج بالكنيسة فى الأحداث ويستخدمها كورقة للتغطية على مواقف ربما تكون عدائية بأى صورة من الصور»، هكذا أشار البابا إلى ما تتعرض له الكنيسة الآن، مؤكداً أن الكنيسة «أرفع من السياسة أياً كانت»، وتابع: «الكلام الذى يقال عن أن الكنيسة تقوم بتحريض المسيحيين للنزول فى 30 يونيو أمر يدعو السخرية»، وبعد الثورة لا يوجد حجر على أى رأى، خاصة وسط قطاع الشباب، والكنيسة لا توجه أحداً». ومن كلمات (الإحباط والفضيحة والسخرية) وهى كلمات جديدة على اللغة البابوية، إلى انتقاد مباشر للأداء الرئاسى، وتعرض ضمنى لعدم دستورية مجلس الشورى، والتأكيد على الثقة فى الأزهر والجيش، ينتقل بنا البابا مع الإعلامية لميس الحديدى (الثلاثاء 17 يونيو) إلى أنه لن يطلب من مرسى شيئاً سوى «السلام» لمصر!! فى إشارة واضحة إلى أن البابا والأقباط لا يريدون من مرسى شيئاً، لأنه لا يملك شيئاً يعطيه، وأشار إلى أنه لا علاقة بين هذا الموعد وبين 30 يونيو، وأن ذلك الموعد سابق لكل الأحداث، وأشار إلى أنها زيارة «محبة»!!(ذكرتنى عبارة البابا تواضروس بقول السيد المسيح: «إذا كنتم تحبون الذين يحبونكم فأى أجر لكم.. أحبوا أعداءكم، وباركوا لاعنيكم وصلوا من أجل الذين يسيئون إليكم»، وانتقل البابا مع لميس إلى أن هناك من يوجه المواد الإعلامية للزج بالكنيسة فى الصراع السياسى بين مصر وإثيوبيا، مثل نشر أخبار تؤكد أن البابا سوف يقطع زيارته للنمسا ويذهب لإثيوبيا، من أجل تحميل الكنيسة فشل سياسات الرئاسة فيما يخص سد النهضة، مؤكداً أن أحداً لم يطلب منه ذلك مطلقاً!! وحول زيارة السفيرة الأمريكية «آن باترسون» للكاتدرائية، قال البابا: «أنا لا أطلب من السفراء أن يأتوا لزيارتى»، فى تأكيد على مكانة الكنيسة والكرسى المرقصى الذى لا يسعى لأحد وإنما سفراء الدول هم الذين يسعون إليه، وأشار إلى أن اللقاء حدد أكثر من مرة منذ ديسمبر من العام الماضى، فى دلالة واضحة على أن لقاء السفيرة الأمريكية ليس بالأمر المهم أو المستعجل، وأوضح للميس الحديدى أن السفيرة لم تسأله على 30 يونيو، ولكنه هو الذى سألها عن تحالفات دولتها، وكيف تحدثت السفيرة «مدافعة عن سياسة دولتها تجاه الدول حديثة الديمقراطية»!!ولم تقتصر لقاءات البابا على السفيرة الأمريكية، بل التقى الأنبا تواضروس بسفراء السويد والدنمارك والبرتغال وهولندا، ومن المسئولين المصريين، التقى هشام زعزوع وزير السياحة، كل تلك اللقاءات تشير إلى اهتمام العالم بالبابا والكنيسة، حيث إنه من الملاحظ أنه لا وزير الخارجية محمد كامل عمر ولا الرئيس محمد مرسى طوال الأسبوع الماضى حظى بمثل هذه اللقاءات، مما يدل على بداية تآكل المشروعية الخارجية لحكم الإخوان وسعى الدول خاصة الأوروبية بالتقصى من خلال إما زعماء تمرد أو الإنقاذ أو الكنيسة، ولكن يبقى السؤال: هل استخدام البابا تواضروس لهذة اللغة «الحادة» والانتقاد «الجاد» للرئاسة إضافة لالتزام البابا الصمت بعد الزيارة للاتحادية مؤشرات واضحة على أن الأقباط هم الذين يوجهون الإكليروس وليس العكس؟