الصعود الإسلامي للثورة الإيرانية، التي صاحبها فرض الكثير من المظاهر والقوانين التي لم تكن موجودة من قبل، واحدة من الأمور التي تثير الكثير من التساؤلات، يوضحها دكتور مدحت حماد الباحث في الشئون الإيرانية والأستاذ في جامعة طنطا قائلا "إن الثورة الإيرانية قامت من أجل رفض النظام الملكي وجعلها ملكية دستورية، وكان ذلك عامي 1905 و 1906 وكانت وقتها هناك جهود من المؤسسات الدينية الشيعية التي طالبت أن يحكم الملك وفق ينظم صلاحياته ويوجد حكومة لديها القدرة على إدارة الشأن الداخلي، إلا أن المؤسسة الإيرانية لم تكن وحدها على الساحة، حيث اشتركت القوى الوطنية الناشئة مع قوى الدين في بريطانيا، والتي تمكنت من استيعاب القوي السياسية وأقنعت رجال الدين وقتها بضرورة صدور القوانين عن لجنة من كبار الفقهاء، وكانت هذه هي أول خطوة للدولة الدينية". يكمل دكتور حماد قائلا "إن رضا شاه بهلوي في ذلك الوقت التف على القوميين، في حين وقفت الدول صاحبة المصالح في إيران، وهي بريطانيا وروسيا، ضد صعود القوى الدينية، وهدأت الأوضاع حتي ثورة محمد مصدق عامي 1953 و1954، وكان هذا ثاني ظهور ديني في إيران، إلا أن التآمر الأمريكي وقف أمام هذه الحركة وأجهضها". يضف حماد قائلا "وفي عام 1963، كان ذلك بداية الظهور الفعلي للمؤسسة الدينية، عندما خرج الخوميني يطالب الشعب بالانتفاض لعمل الإصلاحات، وكان محركه الأساسي للانتفاض هو إعطاء الحصانة للأمريكيين، وقال عبارته الشهيرة أنه لو كلب أمريكي صدم شاه إيران لا يستطيع القضاء الايراني أن يحاكمه بينما يمكن أن يحاكمه الكلب، ووقتها كون الخميني تلاميذه، وأتباعه من حكموا بعده و مازالوا يحكمون حتى الآن ومنهم محمد بخاتي. وكان أيضا من الأسباب التي وقفت في صف الخميني ورفعت من شعبيته وزادت أتباعه، هو توقيع شاه إيران لأول معاهدة سلام من دولة إسلامية مع إسرائيل، كما أن رضا بهلوي فتح الطريق لرجال الدين الزرداوشت وسمح بإقامة حفلات لعبدة النار، وهو ما أعطي مبررا لإصدار الخميني فتوي بتكفير الشاه واعتباره مرتدا، ويوضح دكتور حماد أن الخميني كان يعتبر في مقام "آية الله العظمى" وهو مقام كبير لا يمكن معه إصدار الحكم بإعدامه، وهو ما نتج عنه إصدار قرار بنفيه، وتنقل بين تركيا والتي لم تتحمله طويلا لعلاقتها بحلف الناتو، ثم انتقل إلي العراق عندما بدأ نفوذ صدام حسين مساعد الرئيس العراقي في ذلك الوقت في الصعود، ليستقر في النجف بكربلاء لمدة 14 عاما، ومنها أرسي قواعد الدولة الإسلامية والنظام الإسلامي واستطاع التواصل مع تلاميذه في إيران". يقول حماد "إن الخميني بعدها انتقل إلى تركيا، والتي لم تتحمله طويلا، وفي عام 1977 ظهرت لأول مرة المظاهرات المليونية في إيران وكانت الظاهرة الأولي في العالم، وقتل النظام ما يقرب من 60 ألف إيراني، ليحكم بعدها الخميني إيران بعد نجاح الثورة في الفترة ما بين عام 1979 و1989، مستندا إلي المبادئ التي وضعها في كتاب "الحكومة الاسلامية"، و قامت فلسلفة الدولة الاسلامية علي أن الفقهاء يحكمون و يضعون القواعد نيابة عن المهدي المنتظر إلي حين ظهوره، و هو المبدأ الذي تقبله الشعب الإيراني بصدر رحب". ويقول حماد "إن الفساد الأخلاقي في الأيام الأخيرة من حكم محمد رضا بهلوي كان قد وصل إلى قمته، فكان من النادر أن تجد فتاة مازالت بكرا، أو لم تقم بأكثر من عملية إجهاض، وكل ظواهر الفساد هذه دفعت المجتمع لتقبل الحكم الإسلامي بسهولة، وتقبل فكرة الحجاب الإلزامي حتى لغير المسلمين، وبخاصة أن النظام وقتها لم يعترف بالنقاب لأنه يخفي الهوية، لكنه حظر على المرأة التزين وهو ما لم يقابله أي رفض من المجتمع الذي رفض الفساد الأخلاقي وفضل التمسك بأنه دولة إسلامية". أما عن تعامل الثورة الإيرانية الإسلامية مع الأقلية البهائية فيقول حماد "إن الإيرانيين كانوا يعتبرون البهائيين في حكم المرتدين، ولذلك رفض وجودهم التام في المجتمع ولجأ بعضهم إلى إخفاء هويته".