الذات المدافعة: على الرغم من حالة الغضب بين بعض القريبين والبعيدين منذ مشاركتى فى اجتماع سد النهضة برئاسة الجمهورية، سأظل دوماً على اقتناع بأن المصالح الوطنية لمصر لا تقبل الاختزال فى تنازع سياسى أو صراع بين أحزاب. سأظل دوماً على اقتناع بأن حماية المصالح الوطنية، كالأمن المائى وأمن سيناء ومنع الاقتتال الأهلى وبناء الديمقراطية، تحتم تجاوز الحاد من الخلافات بين السياسيين فى الحكم والمعارضة والسعى إلى بناء التوافق. سأظل دوماً على اقتناع بأن الطلب المشروع لإنهاء رئاسة منتخبة فاشلة عبر الضغط الشعبى السلمى والآلية الديمقراطية للانتخابات الرئاسية المبكرة لا يتناقض مع المشاركة فى اجتماع بالرئاسة بشأن مصلحة وطنية طالما تم الحفاظ على اتساق الموقف السياسى ولم تقدم فروض الولاء أو الطاعة أو النفاق للرئيس المنتخب. سأظل دوماً على اقتناع بأن طلب إنهاء الرئاسة الفاشلة وتعديل قواعد السياسة فى مصر باتجاه ديمقراطى يختلف جذرياً عن مقولات الإلغاء والإقصاء والجهوزية للعنف التى ينتجها بعض معارضى الإخوان واليمين الدينى، ويختلف كذلك جذرياً عن الترويج لاستدعاء الجيش للتدخل فى السياسة وفرض الطفولة السياسية مجدداً على المصريات والمصريين. سأظل دوماً على اقتناع بأن مواقفى فى معارضة الرئاسة الفاشلة، ومنذ تكررت انتهاكات حقوق الإنسان وتصاعدت الأخونة وعُصف بسيادة القانون والديمقراطية، لم يغب عنها الوضوح أو الحسم، ولا غابا عن مواجهتى لليمين الدينى التكفيرى والمتطرف والتى خضت بها حين صمت كثيرون من المحسوبين على الفكرة الديمقراطية والدولة المدنية جولات كثيرة من مسألة الزواج المدنى وضرورة فصل الدين عن الدولة وتنظيم علاقته بالمجتمع، إلى البيئة الدولية للدستور ورفض الفاشية المكفرة للمعارضين. سأظل دوماً على اقتناع أن الوضوح والحسم هذين كان ينبغى أن يدفعا كل من ساورته الشكوك بشأن تموضعى بعد المشاركة فى اجتماع سد النهضة أو راودته هواجس «الشاى بالياسمين» إلى إعادة التفكير فى الأمر وربما التيقن، كما عبّر عن ذلك وبكلمات رقيقة الأصدقاء أحمد سعيد ومنير فخرى عبدالنور ووحيد عبدالمجيد، بأن دفاعى عن حق مصر فى دولة ديمقراطية وسيادة القانون ورئاسة مسئولة ومنع لاحتكار الإخوان واليمين الدينى للوطن لا مساومة عليه. الذات الناقدة: تدافع وتدافع وتدافع، وترفض الاعتراف أن المشاركة كمعارض فى اجتماع سد النهضة أعطت بعض الشرعية لرئاسة فاشلة ومستبدة وأن الصواب جانبك فى تقدير تداعيات ما بعد الاجتماع. تدافع وتدافع وتدافع، وترفض الاعتراف أن الاجتماع الهزلى، وبغض النظر عن مداخلتك ومداخلات أخرى، لم يُلحق إلا بالغ الضرر بالمصلحة الوطنية بعد إدارة كارثية ومداخلات كارثية لبعض المشاركين ولم ينتج عنه تشكيل اللجنة القومية لحماية حقوق مصر فى مياه النيل التى اقترحتها فى مداخلتك. تدافع وتدافع وتدافع، وغضبك من التشكيك فى موقفك السياسى جرّك جزئياً إلى خانة التشكيك العكسى والمزايدة العكسية باتجاه معارضين رفضوا المشاركة، وهنا سقطت وحق عليك الاعتذار بشجاعة. ثم ورطك ذات الغضب فى ممارسة غير أخلاقية دوماً ما حاولت الابتعاد عنها مهما تورط بها آخرون وهى توجيه أسهم النقد العلنى لسياسى فى لحظة ضعف وحال تكالب هجوم دوائر الرأى العام عليه، وكان ذلك هو الجوهر السلبى لتعليقك (عبر تويتر) على لقاء السيد عمرو موسى مع نائب مرشد جماعة الإخوان. وهنا سقطت أيضاً وحق عليك الاعتذار مجدداً. تدافع وتدافع وتدافع، ويصعب فى كثير من الأحيان تفسير مواقفك المركبة لرأى عام مستقطب يبحث به الجميع عن الخطوط الفاصلة بين الخير الخالص والشر الكامل. تطالب بانتخابات رئاسية مبكرة وتؤيد تظاهرات 30 يونيو، وتتخوف من الشحن الفاشى لبعض الداعين لها وجهوزيتهم للعنف المضاد فى مواجهة عنف اليمين الدينى. تقول إن قطع العلاقات مع نظام المجرم بشار الأسد جاء فى ظل مساومة رخيصة بين مذهبية الإخوان والنزوع للتكفير بين السلفيين المتطرفين ومعها تحول الرئيس المنتخب إلى رئيس منتخب للتكفيريين وللمذهبيين، ثم تؤكد على أن قطع العلاقات مع نظام الأسد كان سيتسم بالصواب لو جاء اتساقاً مع المبادئ الإنسانية التى ترفض جرائم الإبادة والحرب والقتل ضد الشعوب والمدنيين. الذات الباحثة عن التصالح: بالفعل لا بديل عن الاعتذار عن خطأ التشكيك العكسى وعن توجيه أسهم النقد لسياسى فى لحظة ضعفه، وأعتذر هنا من الأصدقاء والحلفاء فى المعارضة المصرية عن المزايدة العكسية، ومن السيد عمرو موسى عن توجيه النقد العلنى له حين تكالبت عليه بعض دوائر الرأى العام. بالفعل، أيضاً، لا بديل عن الاعتراف بخطأ تقدير تداعيات المشاركة فى اجتماع سد النهضة. دوافعى وأهدافى الوطنية، الإسهام فى حماية حقوق مصر فى مياه النيل، جُردت من الفاعلية مع الإدارة الكارثية للاجتماع وكارثية وهزلية بعض المداخلات وغياب تطبيق مقترحاتك (اللجنة القومية) أو مقترحات جيدة أخرى. التجريد من الفاعلية، بجانب الهزلية التى اتسم بها الاجتماع مع عدم معرفة البعض ببثه المباشر تليفزيونياً، رتب لدى دوائر واسعة فى الرأى العام انطباعاً شديد السلبية ورفع كلفة مشاركتى إلى حدود اعتبارها شقاً لصف المعارضة واعترافاً بشرعية رئيس أطالب بتغييره عبر الانتخابات المبكرة. إلا أن الاعتذار عن المزايدة العكسية والاعتراف بخطأ تقدير التداعيات ما بعد اجتماع سد النهضة يفصلهما الكثير والكثير من المساحات عن التشكيك فى موقفى السياسى وانحيازى للديمقراطية والمدنية ومواجهتى للاستبداد ولمحاولة اليمين الدينى احتكار الوطن ولمقولات التكفير والتطرف. وصدمتى فى مروّجى حملات التشكيك وحرق الساحر الشرير هذه، وبعد سنوات من الكتابة دفاعاً عن الديمقراطية سبقت 2011 بكثير وبعد عامين من العمل السياسى المباشر ومواجهات متكررة خضتها أحياناً وحيداً انتصاراً للدولة المدنية ودون خوف من تهديدات متتالية من دعاة التكفير والتطرف، لا حدود لها وأقترب يومياً من قناعة استحالة الممارسة العقلانية والرشيدة للسياسة. نفس المساحات الفاصلة تقع بين المطالبة السلمية بإنهاء رئاسة فاشلة وتعديل قواعد العملية السياسية وبين التورط فى الترويج لمقولات إقصائية وفاشية تداعياتها الوحيدة هى العنف والاقتتال الأهلى وخراب مصر. وأتمسك هنا بمواقفى المركبة التى تطالب بالانتخابات الرئاسية المبكرة وتحذر من جهوزية اليمين الدينى للعنف ولتوظيف مقولات التكفير والشحن الطائفى الرديئة، وترفض كذلك تحويل 30 يونيو إلى يوم للإقصاء الفاشى للإخوان ولليمين الدينى من المجتمع ومن ثم إلى التناقض مع الجوهر الديمقراطى المتمثل فى ضرورة اعتراف الكل بالكل مع تعديل قواعد السياسة بإسقاط الرئاسة الفاشلة. وأتمسك بمواقفى المركبة الباحثة عن تحول ديمقراطى ومقاومة احتكار اليمين الدينى للوطن بعد عامين على الثورة دون استدعاء الجيش للسياسة مجدداً كملاذ أخير ودون استخفاف بكارثية دوائر العنف والعنف المضاد التى عادت مقدماتها تطل علينا فى بعض المحافظات المصرية. وأتمسك أيضاً بمواقفى المركبة تجاه سوريا التى كنت أتمنى بصددها قطع العلاقات مع نظام الأسد المجرم، دون مساومة بين المذهبية والتكفير ودون معادلة سياسية رخيصة تمثلت فى استرضاء السلفيين الذين يختزلون الصراع فى سوريا زيفاً فى صراع بين السنة والشيعة للحصول على تأييدهم الداخلى للرئيس المنتخب بتكفير معارضيه، بل للانتصار للمبادئ الإنسانية والديمقراطية فى مواجهة جرائم مرعبة يرتكبها نظام الأسد وبعض معارضيه من السلفيين المتطرفين. كل هذا يضعنى أمام اختيار صعب بين بديلين أشرت إليهما من قبل، فإما الاعتراف بالأخطاء والاعتذار عنها حين التورط بها والصبر على حملات التشكيك وحرق الساحر الشرير والثقة فى أن صلابة الموقف المنحاز للديمقراطية ستمكننى من مواصلة العمل السياسى بعقلانية فى البيئة الراهنة شديدة الاستقطاب، وإما الانسحاب من العمل السياسى ومواصلتى السعى إلى نشر ثقافة وقيم وممارسات الديمقراطية والمدنية فى مساحات مجتمعية أخرى. وأنا اليوم إلى البديل الثانى أقرب.