من المعلوم أن الدين الإسلامى يشتمل على العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق. وتختلف العقائد عند المسلمين بشكل واضح مع غيرهم من أتباع الأديان الأخرى، وكذلك تختلف العبادات من دين إلى آخر، ويعتز كل أتباع دين بعقيدتهم وعباداتهم. ولقد ثار حوار طويل ولغط كبير حول تهنئة الأقباط بأعيادهم. وترتبط الأعياد عند الأقباط بشكل واضح بعقائدهم الخاصة، بينما نجد الأعياد عند المسلمين مرتبطة بالعبادات بشكل أوضح، فعيد الفطر يأتى بعد صيام شهر رمضان، والصيام عبادة، وعيد الأضحى مرتبط ارتباطاً لا ينفصم بالحج وهو عبادة أيضاً، بيد أن العبادتين كلتيهما (الصيام والحج) تشكلان ركنين من أركان الإسلام، وبالتالى فالارتباط بين العيدين والعقيدة الإسلامية واضح أيضاً. لكن التهنئة بالمناسبات الدينية أكثر اتصالاً بالمعاملات، فالزواج أمرٌ دينى والتهنئة فيه من المعاملات الاجتماعية، وعلى ذلك يجب أن يكون هناك تفريق بين ما هو عقائدى وما هو متصل بالمعاملات. وحينما يتقدم أى مسلم بالتهنئة إلى زميل أو صديق قبطى فإنه لا يستحضر العقيدة عند هذه التهنئة، فالزواج -مرة أخرى- عند إخواننا الأقباط يُعتبر من الأسرار الكنسية السبعة وهى تشكل جزءاً مهماً من العقيدة المسيحية، ولا يمكن أبداً عند تهنئة عروسين قبطيين أن يستحضر المهنئ فى ذهنه هذه الأسرار الكنسية السبعة. والأزهر الشريف بشيخه وعلمائه وفضيلة المفتى لا يرون بأساً فى تهنئة الإخوة الأقباط بكافة أعيادهم، فهل يُعقل أن يدعى أحد أن هؤلاء جميعاً -أقصد شيخ الأزهر وسائر العلماء وفضيلة المفتى- ليس عندهم من العلم والفقه ما يجعلهم يختارون الطريق الأسلم فى التعامل مع هذه المناسبات؟! إن الأزهر يوفد وفداً رفيع المستوى يرأسه غالباً شيخ الأزهر لتقديم التهنئة. ولقد رضيت التيارات الإسلامية كلها رأى الأزهر فى بعض مواد الدستور المتعلقة بالشريعة الإسلامية، فمن المنطقى أن نرضى أيضاً بالاختيار الفقهى للأزهر الشريف فى موضوع تهنئة الإخوة الأقباط. إن الأثر الاجتماعى لهذه التهنئة أثر ملموس وإيجابى يمكن أن ندعم به أمر الوحدة الوطنية التى لا يمكن الاستغناء عنها، بل وندعم به أيضاً مبدأ المواطنة التى نص عليها الدستور، أما التردد والحيرة فى توجيه هذه التهنئة فيؤثر دون شك فى مبدأى المواطنة والوحدة الوطنية. ربما يحدث مثل هذا الارتباك فى مجتمع ليس فيه إلا المسلمون، فيكون غريباً عليهم أن يتوجهوا بالتهنئة لأتباع الأديان الأخرى إن التقوا بهم فى محفل أو آخر، لكن مصر احتضنت أتباع الأديان الثلاثة الإسلام والمسيحية واليهودية، ونتج عن ذلك تعامل اجتماعى لا أظنه أبداً يصطدم بالعقيدة الإسلامية. إننى أتوجه بالتهنئة للإخوة الأقباط ولا أجد تعارضاً بين التهنئة -وهى عمل اجتماعى- وبين ما جاء صريحاً فى سورة النساء التى أحفظها وبصفة خاصة الآيتان (157، 158) وتشكل جزءاً مهماً من العقيدة الإسلامية حول طبيعة وحياة السيد المسيح -عليه السلام- فيا أقباط مصر، كل عام وأنتم بخير.