فى مصر لا توجد ثقافة قانونية لدى الشعب ففى الزمن الغابر وحتى وقت غير بعيد كان البعض يتصور أنه يستطيع إحضار النيابة للتحقيق بمجرد أن يسدد رسم الانتقال وقد كان 25 قرشاً تَعْمد بعض بلاد الغرب فى أوروبا والولايات المتحدة وكندا إلى وضع برنامج ضمن دراسة التلاميذ والطلبة، ليعرفوا به حدود الشرطة، والنيابة، والمحكمة. وفى مصر لا توجد ثقافة قانونية لدى الشعب. ففى الزمن الغابر، وحتى وقت غير بعيد، كان البعض يتصور أنه يستطيع إحضار النيابة للتحقيق بمجرد أن يسدد رسم الانتقال وقد كان 25 قرشاً. كما أن بعضاً آخر -من آباء أو أقارب الثوار الذين استشهدوا أو أعيقوا- فى ثورة 25 يناير 2011 -ذهبوا إلى مقر المحكمة- التى كانت تحاكم الرئيس السابق ووزير داخليته وأعوانه ومعهم مشنقة، يتصورون أن الحكم سوف يصدر فوراً -كمحاكم الثورة المُسماة محاكم «كينجارو»- ويتولون هم تنفيذ الحكم على الفور، لهذا كله يكون من الواجب أن يعرف الشعب، حقيقة ونطاق اختصاص كل من الشرطة والنيابة والمحكمة. الشرطة فى مصر، يقوم اختصاصها الأساسى -فضلاً عن الضبط والربط- على منع الجرائم من أن تقع، فإذا حدثت جريمة تخطر النيابة العامة، وبعد التحقيق يجوز للنيابة، وفقاً لوزنها للأدلة، أن تحيل الدعوى إلى المحكمة، جنحة كانت أم جناية. وكل ورقة لدى الشرطة لا بد أن تُرسل إلى النيابة العامة، التى لديها دفاتر تُدرج فيها الورقة، وفقاً وتبعاً لنوعها؛ وتُرقّم (وعندما كُنت مدعواً فى باريس من وزارة الخارجية وجامعة السوربون وكان ضمن برنامجى أن أزور رئيس محكمة النقض طلبت منه أن أطلع على دفاتر قيد القضايا فوجدتها مطابقة لدفاترنا، ومعنى ذلك أننا نقلنا عن فرنسا نظام قيد القضايا وترقيمها). ودفاتر النيابة خمسة هى دفتر العوارض ودفتر الشكاوى الإدارية ودفتر المخالفات ودفتر للجنح والجنايات، يُكتب أمام الجناية باللون الأحمر حرف (ج) وهو ما يُشير إلى أن الرقم هو رقم لجناية. والعوارض هى أى شىء يقع بصفة عارضة، أى لا يتسبب فى حدوثها شخص بالغ عاقل، وإنما يُنسب حدوثها للقضاء والقدر، فتسمى عوارض، جمع لفظ عارض. أى غير متوقع. ودفتر الشكاوى الإدارية محدد لأى ورقة أو أوراق لا تكوّن جريمة. وكثرة هذه الأوراق التى تأخذ من الشرطة وقتاً طويلاً وجُهداً عظيماً هى السبب فى كثرة وتشعب وتعدد أعمال الشرطة، واللجوء إليها فيما لا يكوّن جريمة؛ وأنها ما كانت لتكون لو كان ثمة تقاليد وأعراف وحسن خلق والتزام كل فرد حدوده. فإذا وجدت سيدة فاضلة كريمة أن بواب العمارة يتعمد الإساءة إليها، بصفة شخصية لا تتضمن جريمة، فإنها قد تلجأ إلى الشرطة لتأديبه، وهو عمل لا يدخل أصلاً فى مجال ونطاق عمل الشرطة، وقس على ذلك أعمالاً كثيرة يحتمى بها كل شخص بالشرطة، وهى خلو من الجريمة، لكن ضابط الشرطة قد يحرر بها محضراً ليتجنب المساءلة، وهذا المحضر هو سبب تضخم عمل الشرطة وزيادة عمل النيابة للتصرف فى الأوراق التى قد تتضمن شبهة جريمة. أما فى الاختصاص القضائى، فيما يقع من جرائم، فإن عمل الشرطة فى ذلك يقوم على الاحتمال (أى احتمال وقوع جريمة)، أما عمل النيابة فينبنى على الترجيح (أى ترجّح الإدانة) وحكم المحكمة يستوى على اليقين، أى اليقين الذى يملأ وجدان المحكمة فلا يدع للشك سبيلاً إليه. ولو قد عرف الشعب المصرى هذه الفوارق الدقيقة لأراح واستراح، وصارت تصرفاته حضارية محترمة. مفاد ما سلف أن أغلب عمل الشرطة وكثيرا من تجاوزاتها، مردّها طلب أحد أفراد الشعب نجدة تحميه من خطأ الغير، وهو أمر لا شأن للشرطة به إن لم يكونّ جريمة، لكنه ضرورى لإحلال السلام الاجتماعى؛ وسوف يزول وينتهى إن استقر نظام أخلاقى، يعرف به كل شخص حدوده، فلا يتجاوزها أو يتصور أن له حقا فى شىء، وهو واهم عابث. فعدم وجود نظام أخلاقى كامل ومقنع للغير يستعيض به الناس عن اللجوء إلى الشرطة فى كل شىء، هو الذى أدى إلى ما يشكو منه الناس من تجاوزات للشرطة. وإذا فهم الناس الفارق بين عمل النيابة الذى ينبنى على الترجيح بأن الأدلة كافية للإدانة، فى حين أن المحكمة لا تحكم إلا على اليقين بحجية الأدلة والإجراءات بما يملأ ضميرها ويضع اليقين فى عقلها. وبين الترجيح واليقين باب عريض ينفذ منه الكثيرون. لو أدرك الناس ذلك لأراحوا واستراحوا، ولم يرهقوا المحاكم بأن تحكم بغير دليل كاف وإلا دارت الدوائر حتى تصل إلى واحد منهم.