ما زال إحساس الحاج محمود بغدادى، والد المجند الشهيد «محمد»، بافتقاد نجله، يتملك حواسه. فى صباح ذلك اليوم الذى فقد فيه «قرة عينه»، خرج الوالد من منزله، قاصداً عمله فى الصالحية الجديدة بالإسماعيلية لكنه عاد، على غير عادته، عندما رنّ جرس هاتفه المحمول، فسمع من يقول له «احتسب ابنك محمد شهيد يا حاج، كان بيفطر مع صحابه ومجموعة إرهابيين صفّوهم بالرصاص»، لم يمتلك الأب أعصابه، وهرع عائداً إلى منزله، ولم يتمالك أعصابه، وهو يسقط على الأرض يمرّغ جسده فى التراب. 9 أشهر مرت «مُرّة»، حسب الحاج محمود، بعدما عرف خبر استشهاد نجله المجند محمد محمود بغدادى فى حادث رفح، ومنذ ذلك الحين «محدش من المسئولين اتصل علينا ولا فيه نتيجة للتحقيقات، ولا أحد عاملنا على إننا أهالى شهداء، ولا فيه تقدير أو تكريم من الرئاسة، ولا الجيش، كل ما أطلبه القصاص لابنى، وبناء مسجد لقريتنا تكريماً للشهيد، أى نعم الجيش احتفل بنا وكرّمنا ووعدنا أنه يقتص لأولادنا، لكن ولا أى شىء حصل من كل ده». فى ذكرى عيد تحرير سيناء يتحدث الحاج محمود، ذو البشرة السمراء، متعجباً: «أنا مش فاهم إزاى بنحتفل بعيد تحرير سينا وهى مش حرة أصلاً، إذا كنا إحنا بعيد عن سينا مش أحرار ولا آمنين على نفسنا وعيالنا، ربنا يعوّض علينا فى ولادنا». وتابع: «عرفت بالحادث عن طريق أحد زملاء محمد، فى تانى يوم للحادث، كنت رايح شغلى فى الصالحية الجديدة، فماقدرتش أروح، كنت حاسس بقلق ليه ماعرفش، رجعت وأنا حاسس إن فيه عند راسى طلقة وقلبى مقبوض، كنت وقتها عرفت بالحادث اللى مات فيه 16 جندى، حاولت اتصل بابنى أطمن عليه ماعرفتش، لأنهم مانعينهم من التليفونات». بعد أيام من واقعة قتل الجنود فى سيناء، تواصل الحاج محمود مع رئاسة الجمهورية، حسب قوله: «الدكتور محمد رفاعة الطهطاوى نظم لأهالى الشهداء موعد مع الرئيس مرسى، وخرجنا من منطقة حرس الحدود إلى رئاسة الجمهورية وصلينا الظهر مع الرئيس، وبعدها قلتله: يا سيادة الريس دول ولادك.. أنا مانتخبتكش، لكن ربنا أراد تكون أنت الرئيس، ودم ولادنا فى رقبتك». يذكر الحاج محمود بغدادى، أن المهتمين بقتل مجندى رفح كثيرون، منهم محامون ومستشارون وضباط متقاعدون «إحنا ناس بسيطة ولا سياسيين ولا نفهم حاجة لكن اللى نفهمه إن حق ولادنا المفروض مايضيعش، وفعلاً فيه مجموعة من الناس المحترمة من الضباط المتقاعدين والمستشارين والسياسيين متولين قضية أولادنا، وإذا لم تقتص الدولة لأبنائنا فسنقدم شكاوى للمحكمة الجنائية الدولية ونتقدم بشكوى للمحكمة الأفريقية، وإذا لم نصل إلى حل سنطلب اللجوء السياسى لأى دولة أجنبية». اللقاء الوحيد ل«محمود»، والد المجند محمد بغدادى، مع القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبدالفتاح السيسى، كان بعد الحادث بأيام. ويقول عنه: «المرة الوحيدة اللى قابلت فيها الفريق أول عبدالفتاح السيسى؛ كان لسه متولى المسئولية مكان المشير طنطاوى، وقتها قلت له اعتبر الولاد دول ولادك ودمهم فى رقبتك؛ قالى دول ولادنا ودمهم عهد علينا، وأنا المسئول عنهم». «فاتت على الحادثة 9 شهور، وحق ولادنا لسه ماجاش» هذا ما يذكره الحاج «محمود» الذى تابع العملية «نسر» لتعقُّب بُؤر الجماعات الجهادية فى سيناء، ويقول عنها «كل اللى شُفناه اتنين تلاتة فى سينا، الجيش منيّمهم على الأرض ومرفعهم بالسلاح، لا شُفنا قصاص على أرض الواقع ولا أى حاجة». قبل وفاته كان «محمد» يساعد أباه فى المصاريف الأسرية بما يكسبه من عمله فى بيع الملابس بمنطقة الاستثمار «محمد كان البكرى وكان بيساعدنى فى البيت من شغله، فكر إنه يسافر الإمارات عند خالته المقيمة هناك، لكنه تراجع وقالى: يابا أنا نويت أتطوع فى الجيش». ويضيف: «عندى فى البيت ورق التطوع اللى كان بيعمله بفلوسه، عمره ما قالى هات يابا فلوس أخلص ورق، ولا كنت حاسس بحمل أو عبء بسببه، الله يرحمه كان بيساعدنى ومابيضغطش عليا». «أنا باوجه رسالة للرئيس مرسى، يا ريت زىّ ما وعدتنا إنك هتقتص لأولادنا توفى بوعدك؛ اللى ماتوا مش ولادنا، دول ولاد مصر كلها، كانوا بيحرسوا مصر كلها وقت ما استشهدوا. دم ولادنا مش رخيص، واحنا ولا بناكل زى الناس، ولا بنفرح زى الناس، ولا عارفين نورى وشنا للناس من الخجل لأننا لسه ماجيبناش حق ولادنا». هكذا يتحدّث الحاج محمود موجهاً كلامه للرئيس. ويضيف أنه، وأهالى بقية الشهداء، «أعطوا الرئاسة والجيش الوقت الكافى للقصاص لكن لم يجد أى جديد، ورغم احترامنا للأسرار العسكرية وأن الفريق أول عبدالفتاح السيسى قال إن فيه شغل مبذول، لكن لا يمكن الإفصاح عنه، ووعدنا أن يكشف عنها فى الوقت المناسب». أخبار متعلقة: 263 يوماً.. و«لسه حقهم مارجعش» الساعات الأخيرة ل 16 شهيداً.. «حان وقت دخول الجنة» «حامد».. تمسك ب«شرف الواجب» حتى الموت «حمادة».. الابن «البكرى» على 7 بنات «وليد».. «البهجة» التى غادرت قلب أسرته «إبراهيم».. «سند» العائلة الذى انكسر «حمدى».. «الموت» سبق «الكوشة» «محمد».. شهيد 21 رصاصة