سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عداء ليبى نجا من «تفجيرات بوسطن» ل"الوطن":رأيت أكثر من 13 شخصاً فقدوا أعضاءهم ناصر بويصير: الأمريكيون خائفون من كل شخص يتحدث «العربية» بعد الأحداث الأخيرة
«مشهد مأساوى.. أعاد إلى الأذهان أحداث 11 سبتمبر فى مدينة عرفت بالتعايش بين الثقافات المختلفة.. فجأة انتهى الماراثون الذى يعد مهرجاناً رياضياً وخيرياً تجمع فيه التبرعات لأبحاث علاج الأمراض، إلى مأساة ضاعت فيها الأرواح».. بهذه الكلمات عبر العداء الليبى «ناصر بويسير»، أحد المشاركين الذين نجوا من تفجيرات ماراثون بوسطن، وأسفرت عن مقتل 3 وإصابة أكثر من 140 شخصاً. وروى العداء الليبى، المقيم فى «بوسطن» الأمريكية، فى حواره مع «الوطن»، تفاصيل وتداعيات هذا اليوم المشئوم على من شاركوا فيه، وعلى العرب والمسلمين فى أمريكا بشكل عام. فى البداية.. حدثنا عن سباق بوسطن وعن السباق فى يوم التفجيرات تحديداً؟ - هو واحد من أهم السباقات فى العالم، ويجرى كل عام، وكان هذه المرة فى عامه رقم 117، وبدأ فى التاسعة بتوقيت بوسطن وحتى 10.45 دقيقة، ويحضره من 26 إلى 27 ألف متسابق من جنسيات مختلفة حول العالم، والحقيقة أن هذا السباق كان أكثر سباق منظم حضر فيه أكثر من 3000 متطوع لتنظيمه. * احكِ لنا ما حدث فى ذلك اليوم؟ - حوالى الساعة 2.50 دقيقة، كنت موجوداً على بعد 2 كيلومتر وربع من خط النهاية، وقبل خط النهاية أو عند هذه المحطة يوجد غطاء تحته نفق، ندخل فيه لنتجه إلى الخط النهائى، ودخلت النفق بالفعل، فى تلك اللحظة فوجئت أنا والعداءون بأن الكل يعود جرياً فى الاتجاه المعاكس للسباق، خاصة من الجهة اليسرى التى تشهد وجوداً بشرياً كبيراً. ولم نكن نعرف ما الذى يحدث وقتها، فاضطررنا للتوقف عن العدو، وجاء منظمو الماراثون فأغلقوا الطريق أمامنا حتى يتيحوا الفرصة للجماهير بالعودة فى الاتجاه المعاكس، وفجأة سمعنا دوى انفجار القنبلة الثانية، ووجدنا أن المنظمين أنفسهم يفرون من أماكنهم، لأنهم اعتقدوا بوجود قنابل أخرى، ومن الممكن أن يصاب أحدهم أو يقتل، وتركوا كل واحد لمصيره. * ما الذى كنت تفكر فيه وقتها لما علمت بوجود تفجيرات؟ - أول ما فكرنا فيه كانت عائلاتنا التى حضرت لمشاهدتنا، لم نكن نفهم ما الذى حدث، وبمجرد أن قابلت سيدة أعرفها سألتها «ما الذى حدث؟»، فقالت لى وهى تبكى: «تفجيرات ويوجد موتى»، قلت لها: «هل رأيت زوجتى وابنتى؟»، قالت «لا»، فحاولت التدافع وسط الناس كى أدخل بعض المناطق للبحث عنهما، خاصة أنه لا توجد هواتف محمولة معنا.. وبينما أنا أسير وجدت أحد المصورين وعلى جسده دم كثير، فسألته عما حدث، فقال لى «يوجد تفجير فى منطقة برونى»، وشعرت بانهيار لأن هذا هو المكان الذى تنتظرنى فيه زوجتى وابنتى، إلا أننى لم أستطع رؤية الصور التى التقطها هذا المصور لضحايا الانفجار، بسبب بشاعة واهتزاز المشاهد فيها.. ثم رجعت حوالى 2 كيلومتر للخلف حتى قابلت بعض الأشخاص أعرفهم، وهم من طمأنونى بأنهم رأوا زوجتى وابنتى، فهدأت قليلاً، وواصلت البحث عنهما حتى وجدتهما. كانت ابنتى فى حالة انهيار تام لكن الحمد لله لم يصبهما شىء، إلا أنهما أصيبتا بانهيار عصبى تام بسبب الجرحى والقتلى الذين تساقطوا أمام أعينهم. أنا حزين جداً، لقد كان هذا الماراثون مهرجاناً خيرياً كبيراً للتعاون والأمل. فعلى طول خط السباق تجد كثيرين يتطوعون لتقديم الماء فى الطريق للمتسابقين وأطعمة للأطفال وأطباء لمساعدة العدائين، وهو فرصة لجمع التبرعات الخيرية للأبحاث العلمية ولمكافحة الأمراض، وكل عداء مشارك يدفع أو يجمع 5 آلاف دولار فى مشاركته يهبها للأعمال الخيرية. وفى هذا الماراثون وحده كان هناك ما لا يقل عن 50 منظمة بحثية تجمع تبرعات لعمل أبحاث فى مجال مكافحة الأمراض ومنها مكافحة مرض السرطان. * وكيف كانت مشاهد المصابين التى رأيتها؟ - رأيت 13 شخصاً ممن فقدوا أعضاءهم. وحالات كثيرة كانت مأساوية وفظيعة للغاية، فإحدى جاراتى، عمرها 27 عاماً، جاءت إلى السباق لتشاهده وتقابل صديقاتها وأقاربها وللترويح عن نفسها فقدت ساقها. وسيدة أخرى حضرت السباق مع ولديها، أحدهما عمره 31 عاماً، والآخر 29 عاماً، وكلاهما فقد ساقيه. ورأيت متسابقاً آخر قبل 100 متر من نهاية السباق فقد ساقيه، وغيرها من المشاهد التى رأيتها ولا أحتمل روايتها، فكلها تعبر عن أن الشخص الذى ارتكب هذا الحادث لا يمكن أن يكون إنسانا وليس لديه أدنى شعور. * ما الإجراءات التى اتخذت فور وقوع الانفجارات فى موقع الحادث؟ - فى البداية أغلق المنظمون والأمن الطريق أمام العدائين، وبعضهم فرّ بعد الانفجار الثانى خوفا على حياته، لاعتقاده بوجود قنابل أخرى، ثم أغلقت الهواتف المحمولة وتعطلت المنظومات الإلكترونية فى المنطقة، لأنهم خافوا من وجود متفجرات أخرى يمكن تفجيرها عن بعد باستخدام أجهزة إلكترونية، وكذلك وضعوا فى اعتبارهم وجود قنابل محددة بوقت زمنى للانفجار، ثم أفرغوا مكان الحادث تماماً من جميع الموجودين على مسافة 22 كيلومتراً. وبالنسبة للعدائين، فإنهم بعد توقفهم عن استكمال السباق شعروا بحالة من البرد الشديد، لأن الجو كان بارداً، فساهم بعض الأهالى والمتطوعين فى إغاثتهم ببعض الملابس الثقيلة لتدفئتهم، وإعطائهم زجاجات مياه. وجاءت قوات الشرطة ومكتب التحقيقات الفيدرالية، وقوات من الجيش، وانتشروا فى كل مناطق الحادث والمناطق المجاورة لمدينة بوسطن، حيث أغلقت جميع المطاعم والمحال وشارع «بوليستون»، لذلك قدرت الخسائر فى هذا اليوم ب135 مليون دولار. * بالنسبة للعرب والمسلمين.. هل حدثت تضييقات عليهم بعد الحادث، خاصة بعد الاشتباه فى مواطن سعودى أصيب فى مكان الحادث؟ - هذا السعودى وجد فى المكان الخطأ فى الوقت الخطأ، والحقيقة أن الشرطة وجدته مصابا ونقلته إلى المستشفى لعلاجه على الفور، وطلبوا منه تفتيش منزله فقال لهم «تفضلوا بتفتيش المنزل»، وبعد التفتيش لم يجدوا أى شىء وعومل باحترام شديد. لكن المشاهد التى رأيتها، تدل على أن الناس هنا فى بوسطن خائفون من كل من يتحدث اللغة العربية. وعلمنا مثلا أن رجلين من جنسية عربية كانا على متن طائرة تتجه من بوسطن إلى ولاية شيكاغو، فشعر الركاب بقلق شديد منهما، فاضطر طاقم الطائرة إلى إنزالهما من الطائرة حتى لا يسببا الرعب والفزع للمواطنين. والحقيقة أن المواطنين هنا فى بوسطن، على غير عادتهم خائفون من كل من يتحدث اللغة العربية، ولا أنكر عليهم الحق فى هذا بعد هذه الأحداث المؤسفة. لكن من ناحية السلطات نفسها لا توجد أية تضييقات فى بوسطن، خاصة أن بوسطن تشهد تعدداً ثقافياً، واعتدنا هنا على رؤية السلفيين يأتون إلى بوسطن للعمل، ويحصلون على شهادات للضمان الاجتماعى بغير مشاكل. ويمكن القول إن المخاوف من العرب والمسلمين فى بوسطن محدودة، لأن العرب هنا ملتحمون مع الأمريكيين، بالإضافة إلى التعدد الثقافى، فقد كان من الممكن وجود تضييقات لو أنك فى ولاية أخرى مثل تكساس التى بها قدر كبير من التحفز والعنصرية، وحتى مطار بوسطن يعمل فيه أشخاص من أصول عربية. * من وجودك فى بوسطن بالولايات المتحدة.. هل لديك معلومات بخصوص الجناة؟ - لا أملك معلومات أكثر من المعلنة عبر شاشات التليفزيون، لكنى أراهن على معرفة الجناة والقبض عليهم، لأن شارع السباق فيه كاميرات فى كل مكان، لا يوجد متر بلا كاميرا، خاصة أنه توجد محال تجارية كبيرة بها كاميرات مراقبة مطلة على الشوارع، بالإضافة لكاميرات المناطق العامة، والموجودون كانوا كثيرين جداً، والكل كان يصور ومكتب التحقيقات الفيدرالية طلب من المواطنين تقديم كافة الصور والفيديوهات التى لها علاقة بالحادث، وأظن أنهم عرفوا الجناة. * من واقع إحساسك وتعاملك مع الناس هل يمكن أن يكون الجناة جماعات إرهابية أجنبية أم محلية؟ - الاعتقاد السائد هنا أنها جماعة إرهابية، لأنه لا يوجد أمريكى يقتل بهذه الطريقة، صحيح أن البعض يقولون إن من يقفون وراء التفجيرات أشخاص تضرروا من ارتفاع الضرائب، ولكن هذا غير صحيح، لأنه لو كان الجناة من المتضررين من رفع الضرائب كانوا نفذوا تفجيراتهم فى مقرات للشرطة أو مصالح حكومية. * هل ينوى المواطنون فى بوسطن تنظيم أى فاعليات شعبية للتعبير عن رفضهم لهذه التفجيرات؟ - كان من بين الفعاليات عمل تجمع لكل الموجودين فى بوسطن، بغض النظر عن دياناتهم وجنسياتهم وانتماءاتهم، ذهبوا إلى حديقة عامة فى المدينة نفسها وأضاؤوا الشموع.. كما أن هناك منظمة دعت إلى تنظيم سباق جديد فور عودة فتح الشارع الذى أجرى فيه الماراثون الأخير، لمسافة 6 كيلومترات، تعبيرا عن عدم خوفهم ورفضهم للتفجيرات، وتنديدا بالإرهاب، وتذكراً للأبرياء الذين قتلوا فى التفجيرات، وهى فاعليات يشارك فيها الجميع بغض النظر عن دياناتهم أو جنسياتهم. * ما رأيك فى تعامل السلطات الأمريكية مع الحادث؟ - أريد أن ألفت النظر إلى الفارق بين تعامل السلطات فى أمريكا مع الأحداث الكبيرة، وتعامل بلداننا، فمثلاً، لو كان الحادث فى مصر أو ليبيا، يمكن أن تجد 50 ألف شخص يعترفون بأنهم مرتكبو الحادث، لكن الجانى الحقيقى ليس بينهم، فلا توجد هنا ثقافة العقاب الجماعى التى تتبعها الأنظمة العربية التى تطيح تعذيباً واعتقالاً فى المواطنين.