رقدت الأم طريحة الفراش، تذرف عيناها بالدموع، وهى تحتضن صورة نجلها، وادعى الأب المكلوم التماسك، لكن قلبه كان يعتصر بالألم حزناً على ابنه شهيد الواجب الذى لقى حتفه على أيدى مسلحين أمس الأول أثناء اشتراكه بقوة أمنية لتأمين طريق نخل بسيناء. «حسبى الله ونعم الوكيل، قتلوا ابنى وقتلوا فرحتى به، يا عريس ومشيت بدرى يا ابنى»، هكذا ظلت والدة محمد أحمد السيد ثابت، الضابط بمديرية شمال سيناء المقيم بقرية الكلانية مركز فاقوس، تردد هذه العبارة، بعد أن أفاقت من الغيبوبة التى تعرضت لها بعد علمها بنبأ وفاته، وقالت: «ابنى كان مصدر الفرحة الوحيد فى حياتى وحياة أبيه وكان زهرة العائلة، اتصل بى قبل موته بنصف ساعة وقلت له العروسة مستنياك بس الموت كان منتظره». وتابعت: «أنا كنت بجهزله كل الأكل اللى بيحبه وعملت له المحشى وكمان كنا بنجهز لخطوبته، واشترينا الشبكة، وكنت مستنياه ييجى لكنهم قتلوا فرحتى بابنى». ولم تتمالك الأم المنهارة نفسها وانخرطت فى البكاء قائلة: «ابنى شهيد اتزف للجنة، صبّرنا يا رب على فراقه». وقالت خالته ماجدة: «أصبت بصدمة كبرى فور علمى باستشهاد نجل شقيقتى»، لافتة إلى أن صديقه اتصل بنجلها وأخبره نبأ وفاته، لتهرول وتجد أختها داخل غرفتها فى حالة لا يرثى لها. وقالت إن الشهيد لم يمت وحده وإنما ماتت العائلة كلها معه، و«ماحدش عارف أبوه وأمه هيعيشوا ازاى». وبدموع منهمرة قال والده: «كان ابنى الوحيد ونور عينى، وبدل ما أعمل فرحه عملت جنازته». وتابع: «مفيش حاجة هتعوضنا عنه، وأصريت على دفنه ليلا إكراما له، ورفضت أنتظر الجنازة العسكرية لأنها مش هترجع لى ابنى، ومش عاوز من الحكومة حاجة، كفاية أخدت نور عينى هو وغيره من شباب البلد ورمتهم فى سيناء». وأضاف: «أتمنى أن يكون هناك قصاص وحق ابنى لا يضيع مثل حق غيره من الشهداء». وقال: «كان نفسى أشوف ابنى وأودعه آخر مرة فى حياتى بس ماعرفتش عشان كان جاى فى كفن». وأضاف أنه كان يعلم أن ابنه لديه الرغبة منذ طفولته أن يكون ضابطا للشرطة، وأنه سيتعرض للموت، ولكن لم يكن الأمر مقلقا له. والتقط خال «الشهيد» أطراف الحديث قائلا: «من أول ما اتخرج وأنا حاسس إنه هيموت بدرى لأنه كان على درجة مثالية من الاحترام والأدب، وزى ما بيقول المثل الموت مش بياخد غير الطيبين». وقال عبدالعظيم إسماعيل، أحد الجيران: إن «الشهيد» منذ أن كان طفلا وهو يتسم بحسن الخلق والتدين، وكان محبوبا من الجميع، ولم يتشاجر يوما مع أحد، وكان متفوقاً فى دراسته، لافتا إلى أنه درس بالمدرسة الابتدائية بالقرية، ثم التحق بالمدرسة الإعدادية، ثم الثانوية العسكرية بفاقوس، مشيرا إلى أنه كان يتسم بالتواضع طيلة عمره. وقال محمد طلعت، نجل خال «الشهيد»، إنه منذ أن علم الأهالى بنبأ وفاته أمس توافدوا على منزل عائلته، ولم ينم أحد من الأهالى طوال الليلة الماضية حتى تم تشييع الجثمان فى ساعة متأخرة. وطالب الأهالى بمحاسبة الرئيس محمد مرسى باعتباره المسئول عن قتل الشهيد ابن قريتهم وغيره من الشهداء الذين لقوا حتفهم فى عهده دون أن يحرك ساكنا من أجل الحفاظ على دماء المصريين، مؤكدين عدم انتخابهم للإخوان مرة أخرى وأنهم جميعا ندموا على إعطاء أصواتهم لهم.