عندما تابع القبطي كيرولوس ماهر مشهد انهمار القنابل الحارقة والحجارة على الكاتدرائية المرقسية بالعباسية على شاشات التلفزيون، سيطرت على رأسه فكرة واحدة: "الهجرة". يقول ماهر، وهو عامل بناء يبلغ من العمر 24 عاما: "مصر لم تعد بلادي (...) ووضع الأقباط يسوء يوما بعد يوم. فقدت الأمل في أن تتحسن الأمور". وأجرت وكالة أنباء "رويترز" تحليلا أكدت فيه أنه تساور الأقباط، الذين يمثلون 10% من عدد المصريين، مخاوف بسبب صعود الإسلاميين المتشددين منذ الإطاحة بالرئيس المخلوع مبارك عام 2011. لكن بعد أيام من الاشتباكات عند الكاتدرائية وفي مدينة الخصوص، يتساءل كثير من الأقباط عما إذا كان لديهم مستقبل في مصر. وقد يتحول طيف من الشبان الأقباط الغاضبين إلى العنف أيضا. وقال مايكل صامويل، وهو فني في مصنع للصلب يبلغ من العمر 23 عاما، إن "الهجوم على الكاتدرائية تجاوز الخط الأحمر. أبحث منذ فترة عن عمل في الخارج، في إيطاليا أو ألمانيا". وأضاف صامويل: "لدي طفلان، لكنني لا أريد لهما أن يكبرا في ظل حكم الإخوان". ولم توقف الشرطة المهاجمين الذين ألقوا قنابل حارقة وأطلقوا طلقات خرطوش من منازل مجاورة على مجمع الكاتدرائية. وأظهرت لقطات تليفزيونية حية طوقا أمنيا للشرطة لا يتحرك، بينما استمرت الاشتباكات طوال ساعات. ويشكو الأقباط منذ فترة طويلة من التمييز في سوق العمل وأمام القانون وفي استخراج تراخيص بناء الكنائس، ويقولون الآن إنهم كانوا أفضل حالا أيام مبارك الذي اعتاد أن يسجن الإسلاميين. ويعتقد العديد من الأقباط أن أصوليين إسلاميين يريدون استئصال المسيحية، التي تضرب جذورها في أرض مصر من قبل الفتح الإسلامي. ويقر الأقباط بأن كثيرا من المسلمين يواجهون بعض مشاكلهم، مثل التعيين في وظائف حكومية، لأن المصريين كلهم يكافحون لكسب العيش في بلد يرزح تحت الفساد والفقر، لكن بعض الأقباط يخشون أن تسوء حياتهم، بينما يوسع الإخوان سيطرتهم في عدد متزايد من مؤسسات الدولة. وقال الأب متياس نصر، وهو قس هجر كنيسته خارج القاهرة بعد هجمات متكررة من إسلاميين متشددين: "نحن في حالة اكتئاب. الإخوان يسيطرون الآن على كل مؤسسات الدولة. لم يعد لدينا شرطة (محايدة) كما رأيتم في الاشتباكات". ورغم عدم وجود بيانات رسمية، إلا أن مسؤولين بالكنيسة يقولون إن العديد من الأقباط رحلوا عن مصر منذ الإطاحة بمبارك. وقال دبلوماسيون غربيون إنه على الرغم من أن بلادهم لا تسجل ديانات طالبي التأشيرات، إلا أن دلائل تشير إلى أن نسبة كبيرة ممن غادروا مصر منذ عام 2011 من الأقباط. وأوضح دبلوماسي كبير أن مصائب الأقباط زادت لأن بعضا من أكثرهم ثراء اعتادوا الادخار في قبرص، وقد يواجه هؤلاء الآن خسائر كبيرة، لأن الحسابات البنكية التي تزيد على مائة ألف يورو في أكبر بنكين في الجزيرة سيتم اقتطاع جزء منها للمساعدة في إنقاذ قبرص ماليا. ويتناقض هذا الصراع الطائفي كثيرا مع مشاهد الانسجام الطائفي أيام الثورة في ميدان التحرير، عندما كان الأقباط يصطفون لحماية مسلمين يؤدون الصلاة في الميدان، ويرفع مسلمون المصحف والإنجيل. ويأمل كثيرون الآن أن ينبذ المصريون، الذين ضاقوا ذرعا بطوابير الانتظار عند محطات الوقود وكثرة انقطاع الكهرباء وتفشي الجريمة، الإخوان في الانتخابات التي قد تجري في أكتوبر، لكن آمالهم قد تذهب سدى إذا فشلت المعارضة في التوحد أو التزمت بتهديدها بمقاطعة الانتخابات.