«حد يخاف من الموت، حد يخاف من خواف، الموت خواف علشان بييجى مستخبى، أقول لك هو مش خواف هو خجول لدرجة مش عاوز حد يشوفه.. قربت منه وقرب منى كتير وحسيت بأنفاسه، الموت أنفاس خفيفة زى النسمة ميحسهاش إلا المقصود».. تلك كانت كلماته المأثورة فى مسلسل «جبل الحلال» التى عبر فيها عن الموت بجلاء وتناقلها محبوه عبر كلمات العزاء، كان يلخص ختام سيرة حياته واللحظات الأخيرة منها فى الدور المرسوم له، ورغم أنها جمل محفورة فى النص إلا أنها كانت تبدو وكأنها نعى للذات وفصل الختام!. يوم حزين حلق طائر الموت فى سمائه فألجم الألسنة، تفرقت الجموع المحتشدة مشتتة بين الرافض للتصديق والمصدوم من خبر متوقع، فقد جاء الرحيل سريعاً خاطفاً دون تمهيد، هكذا الحياة تعطى كثيراً ونصدق أنها تغدق العطاء ونتجاهل فى زحامها المثخن بالتفاصيل أنها عندما تأخذ توجع وتؤلم وتقهر وتحزن. ذهب «الساحر» بعيداً تاركاً خلفه إرثاً مفعماً بالحب والعطاء والسخاء، سيرة فنية أثيرة تزدحم فيها الحكايات والقصص عن ذلك الساحر الذى «صنع البهجة» لكل الأجيال، رواها القاصى والدانى وتغنى بها محبوه وتناقلها متابعوه بين طيات صفحاتهم المعلقة على مواقع السوشيال ميديا، فكانت ملحمة وفاء تبارى فيها الجمهور بالمشاركة فى تسجيل كلمة وداع فى دفتر العزاء. رحل الفنان محمود عبدالعزيز «صانع البهجة» الشيخ حسنى، رأفت الهجان، الساحر، أبوكرتونة، منصور أبوهيبة، دون أن يدرك أن هذا الكم الهائل من الوفاء والدموع والحزن سيلاحقه ويتعثر به، دون أن يشهد تلك الملحمة التى نسجتها خطوط كلمات عاشقيه (معجبين وفنانين ومخرجين وسياسيين ورفقاء الدرب)، غادر وهو لا يدرى أنه سيترك وراءه كل هذا الحب يتناثر فى خلفية المشهد سيرة ذاتية عطرة زاخرة بالمواقف والأحداث والأقوال المأثورة التى تركها لتصبح إرثاً وتراثاً شعبياً وعظات ودروس حياة، رحل بينما العالم مشغول بدونالد ترامب والمظاهرات التى تجتاح مدن أمريكا لأول مرة احتجاجاً ورفضاً لتنصيبه رئيساً لبلادهم يتحسبون من هرائه وتهوره وجموحه وشططه، رحل بينما الجماهير المصرية العاشقة للمستديرة تتابع بشغف وحذر محفوف بالخوف مباراة المنتخب القومى فى معركته المصيرية مع غانا، ولما طرق الفرح أبوابه ليتذوق لذة الانتصار والفوز كان الحزن ينتظر دوره ليأخذ نصيبه أيضاً من ساعة الفرح، فاختلط الحزن بالفرح والدمع بالابتسام وتبادل التهنئة بكلمات العزاء. بكاه الفنان حسين فهمى رفيق دربه وصديق عمره، وقد سبقه أحد ثلاثة «العار» الفنان الراحل نور الشريف، لم يحتمل لحظة الخروج والانسحاب واعتبره خسارة لن يعوضها النسيان، تعثرت الكلمات فى حلق المخرج المبدع داود عبدالسيد مبدع شخصية الشيخ حسنى فى فيلم «الكيت كات» فخرجت لاهثة حزينة تنعى «الساحر» الذى لم يأخذ حق قدره من الأدوار المؤثرة فى السينما مؤخراً، تواتر الأصدقاء والفنانون تباعاً لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة يجرون وراءهم مشاعر الحزن والارتباك، فهناك عرس وطنى يزف المنتخب الفائز فى رحلة التصفيات لكأس العالم يحتاج مشاركة النصر والفرحة وهنا حزن ووجع البعاد يحتاج إلى وقفة حداد وخشوع. لم يمهله القدر للمشاركة فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، فكرمه المهرجان بانطلاق فعالياته محملاً بتراثه الفنى الحافل بالتنوع والتألق والإبداع وجائزة تكريم لن يتسلمها، لكنه سيظل خالداً فى ذاكرة السينما بأعماله التى أمتع بها جمهوره ومحبيه، سيظل حاضراً فى ملحمة الأعمال الوطنية التى قدمها فى رأفت الهجان ومحمود المصرى وإعدام ميت، سيبقى حاضراً بإبداعه الفنى وإن رحل، ملاحَقاً بالدعاء له بالرحمة والمغفرة وحسن المآل، رحم الله الفنان المبدع محمود عبدالعزيز، ساحر السينما وصانع البهجة لكل الأجيال.