اليوم تحبس مصر أنفاسها انتظاراً لما ستحكم به المحكمة الدستورية فى دستورية أو عدم دستورية التعديل الذى أدخله مجلس الشعب على قانون مباشرة الحقوق السياسية والمعروف إعلامياً بقانون العزل السياسى، وكذلك الحكم فى دستورية أو عدم دستورية قانون الانتخابات البرلمانية المطعون عليه بعدم الدستورية. وفى ظل حالة الارتباك والتخبط الشديد داخل الأوساط السياسية والإعلامية بل والاقتصادية، فإن الأنظار والأسماع تتعلق بمحكمتنا الدستورية لما تمثله الأحكام التى ستصدر عنها من أهمية ستؤثر حتماً على مصير ومستقبل مصر السياسى. والحقيقة أننا أمام عدة احتمالات أو سيناريوهات لن تخرج الأحكام عنها، ولكل احتمال تأثيره المختلف، ونستعرض فيما تسمح به المساحة هذه الاحتمالات.. أولاً: أن يصدر الحكم فى قانون العزل بعدم القبول لإحالته للمحكمة من جهة غير مختصة (لجنة الانتخابات الرئيسية)؛ لأنها جهة غير قضائية ولا تفصل فى منازعة أمامها تبيح لها إحالة القانون للمحكمة الدستورية للفصل فيه، ما مفاده أن المحكمة الدستورية لم يطرق سمعها هذه الإحالة ولم ترَها وكأنها عدم، فحتى لو صحت الإحالة فإن محكمة الموضوع توقف الفصل فى الدعوى لحين الفصل فى دستورية أو عدم دستورية القانون المنظور أمامها، أما لجنة الانتخابات الرئاسية فقد أوقفت القانون لحين الفصل فى الدعوى، وهو عوار وخلل وفساد فى الرأى. ومفاد الحكم بعدم القبول أن المحكمة تكون قد حكمت ضمناً، وبالتالى تكون المحكمة قد حكمت ضمناً بمخالفة لجنة الانتخابات الرئاسية للقانون بتعطيلها لقانون قائم وعدم تطبيقه بصرف النظر عن دستوريته أو عدم دستوريته، ومن ثم يتعين استبعاد الفريق أحمد شفيق من جولة الإعادة؛ لأن إدراجه فى قائمة المرشحين تم بالمخالفة للقانون، وفى هذه الحالة تعاد الانتخابات الرئاسية بين جميع المرشحين بعد استبعاد الفريق شفيق، وإما أن تنظر المحكمة فى الموضوع بعد قبول الإحالة شكلاً وتقضى بعدم دستورية القانون، وفى هذه الحالة يستمر الفريق أحمد شفيق فى انتخابات الإعادة، أما الحكم بدستورية قانون العزل فله نفس أثر عدم قبول الدعوى ويستبعد الفريق شفيق. ثانياً: صدور حكم بعدم دستورية قانون مجلس الشعب لما أصابه من عوار مطابق للعوار الذى بموجبه حكمت المحكمة الدستورية بعدم دستورية قانون انتخابات مجلس الشعب فى سنة 1990 الذى كان يجمع بين انتخابات القائمة والفردى وكانت نسبة المقاعد الفردية عُشر مقاعد مجلس الشعب وإقحام مرشحى الأحزاب فى هذا العُشر أيضاً، بما أخل بمبدأَى المساواة وتكافؤ الفرص بين المرشحين (القانون المطعون فيه يعطى ثلث المقاعد للمستقلين أو الفردى ويشاركهم فيه مرشحو الأحزاب). وفى هذه الحالة سيفقد مجلس الشعب الأساس القانونى لوجوده، ولّما كانت أحكام المحكمة الدستورية كاشفة لبطلان القانون فإن المجلس يكون باطلاً منذ انتخابه ولا يخل ذلك بالقوانين التى أصدرها المجلس، وسيطرح هذا السيناريو مشكلات مزعجة، من بينها: لمن تنتقل السلطة التشريعية؟ وهل ستعود للمجلس العسكرى أم ستناط إلى الرئيس الجديد أم يصدر إعلان دستورى ينظم هذا الأمر مع ما فى ذلك من مخاطر؟ أما عن تنفيذ أحكام المحكمة الدستورية فإنه وعملاً بنص المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية فإن أحكامها واجبة النفاذ ولا يجوز الطعن عليها وتكون الأحكام مُلزمة لجميع السلطات، بما فيها بالطبع مجلس الشعب، وعلى ذلك فإن مقولة إن الحكم لن يجد من ينفذه هى مقولة فاسدة. ومع ذلك فإن المجلس الأعلى للقوات المسلحة بصفته القائم بأعمال رئيس الجمهورية حالياً وعليه واجب حماية الدولة والقانون يملك إصدار مرسوم بحل مجلسى الشعب والشورى ودعوة الناخبين للتصويت من جديد، وخلال هذه الفترة يصدر المجلس أيضاً ما يناسب حكم المحكمة الدستورية من قانون انتخابات يتلافى هذا العوار الدستورى. وكل السيناريوهات السابقة تفترض صدور الأحكام اليوم، أما إذا تأجل الفصل فى الدعويين معاً أو فى إحداهما فيسكون لذلك آثار مختلفة نعالجها فى مقال آخر. وأخيراً فإن ما نحن فيه الآن من ارتباك وتخبط وفوضى دستورية وقانونية سببها الأساسى وضع العربة قبل الحصان بإجراء الانتخابات قبل الدستور، وهو ما كنا ننادى به فاتُّهمنا بمخالفة إرادة الشعب بل مخالفة الدين، فحسبنا الله ونعم الوكيل.