الأمم المتحدة: الدول العربية تساهم ب 5% فقط من الاحتباس الحراري العالمي    وفد من جامعة عين شمس في زيارة لجمعية المحاربين القدماء    «عبد اللطيف» يتابع انتظام العملية التعليمية بعدد من المدارس في الجيزة    وزير البترول: تقديم كل سبل الدعم والمساندة للشركات العالمية العاملة في مصر    سعر طن الأرز الشعير اليوم الخميس 17 أكتوبر 2024    محافظ الجيزة يتابع مستجدات العمل بملفات التصالح في مخالفات البناء وتقنين أراضي أملاك لدولة    خبير مروري يوضح شروط استيراد سيارات ذوي الهمم وتفاصيل القرارات الجديدة | فيديو    «السماء المستباحة».. التصعيد الإسرائيلي يهدد الأمن الجوي في الشرق الأوسط    بعثة الزمالك تغادر مطار القاهرة إلى الإمارات لمواجهة بيراميدز (صور)    «رقم خرافي».. زد يصدم الأهلي بطلباته للاستغناء عن مصطفى زيكو (خاص)    أبو الوفا: نؤيد التحكيم المصري في السوبر.. ورئيس لجنة الحكام القادم أجنبي    "قرار نهائي".. سيراميكا كليوباترا يكشف مفاجأة بشأن انتقال لاعبيه للزمالك    حادث تصادم يقود للقبض على عاطل يتاجر في الحشيش بمنطقة السلام    رجعت الشتوية.. الإسكندرية تستعد ل "رياح الصليب" ب 10 إجراءات طارئة    السكة الحديد تفصل سائق قطار لتعاطيه المخدرات وتحيله للنيابة العامة    حادث الجلالة.. النيابة تهيب بشركات نقل الأشخاص وضع أسس لفحص السائقين    شجار وصراخ.. اللحظات الأخيرة في حياة المغني ليام باين قبل سقوطه من شرفة فندق    مواعيد حفلات الأسبوع الثاني من مهرجان الموسيقى العربية.. أسعار التذاكر    عثمان الخشت: الإيمان في عصر التكنولوجيا يواجه تحديات جديدة    «بداية جديدة».. توقع الكشف الطبي على 1301 حالة بكفر الشيخ    مدير التأمين الصحي بالشرقية يتفقد وحدة الكلى بمستشفى المبرة    لن تتخلص منه مجددا- 5 فوائد مذهلة لمصل اللبن    طاقة الشيوخ توافق على خطة عمل دور الانعقاد الخامس    من هو رئيس المخابرات العامة الجديد خليفة عباس كامل؟    إعلان الكشوف النهائية للمرشحين بنقابة الصحفيين الفرعية بالإسكندرية اليوم    وفاة والد الفنان مصطفى هريدي.. والجنازة في المهندسين    "المال الحرام".. أحمد كريمة يرد على عمر كمال والأخير يعلق    حصاد محمد صلاح في الدورى الإنجليزى قبل الجولة الثامنة.. 8 مساهمات تهديفية    خلال 24 ساعة.. تحرير593 مخالفة لغير الملتزمين بارتداء الخوذة    تحرير 5 محاضر ل«مخالفات تموينية» في حملات على أسواق قلين بكفر الشيخ    خبير: هجمات 7 أكتوبر أدت لتصدع نظريات الأمن والردع الإسرائيلي    بالمستند.. التعليم توجه المديريات بصرف 50 جنيهًا للحصة لمعلمي سد العجز    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الخميس    بالمستند... التعليم: مهلة أخيرة لتسجيل بيانات الحقل التعليمي حتى 20 أكتوبر    الري تطلق الحملة القومية "على القد" للحفاظ على المياه    «طاقة الشيوخ» تدرس آليات جذب الاستثمارات وتحويل السيارات للعمل بالوقود    محافظ الغربية: حملة نظافة مكبرة بمحيط مسجد السيد البدوي بطنطا    التابعي: الأهلي يخسر أمام سيراميكا في هذه الحالة.. ورحيل زيزو عن الزمالك "مرفوض"    محمد هنيدي يكشف أسرار مشواره الفني مع أنس بوخش    أحمد عيد يطير إلى المغرب للانضمام لمعسكر المصرى استعداداً للموسم الجديد    انفوجراف.. الأزهر للفتوى: تطبيقات المراهنات الإلكترونية قمار محرم    أخوة وشراكة.. آخر مستجدات تطوير العلاقات الاقتصادية المصرية السعودية    البنتاجون: أوستن ناقش مع نظيره الإسرائيلي خطوات معالجة الوضع الإنساني في غزة    قائد الحرس الثوري الإيراني يتوعد إسرائيل في جنازة عباس نيلفروشان: الوعد الصادق 2 مجرد تحذير    وزير الصحة: اعتماد البرنامج العلمي لمؤتمر السكان والتنمية من المجلس الصحي المصري    رئيس جامعة القاهرة يوجه بسرعة إنجاز الأعمال بالمجمع الطبي للأطفال    نتنياهو يوافق على مجموعة أهداف لضربها داخل إيران    وزير الري يشهد إعداد مشروع إقليمي في مجال التحلية للإنتاج الكثيف للغذاء    تقسيم ذهب الأم بعد وفاتها: الأحكام الشرعية والإجراءات    جدول ترتيب هدافي دوري روشن السعودي قبل انطلاق الجولة السابعة    طرح البرومو الرسمي لفيلم "آل شنب".. وهذا موعد عرضه    بايدن يقدم مساعدات عسكرية إضافية لأوكرانيا ب 425 مليون دولار    هل يجوز تأدية صلاة الفجر بعد شروق الشمس.. الأزهر يوضح    5 أدعية نبوية للحماية من الحوادث وموت الفجأة.. بعدانقلاب أتوبيس الجلالة وقطار المنيا    عاجل.. تركي آل شيخ يعلن عودة يوسف الشريف للدراما بعمل درامي ضخم    القوات الروسية تستهدف 9 مقرات للمسلحين شمال سوريا    إصابة 6 أشخاص فى حادث تصادم سيارة بتوك توك في أسوان    قوى خفية قد تمنحك دفعة إلى الأمام.. توقعات برج القوس اليوم 17 أكتوبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولة فى مصر فاعل اقتصادى غير رشيد وفاشل، هل من سبيل للنهوض؟
نشر في الوطن يوم 24 - 03 - 2013

تلعب الدولة المدنية الحديثة والرشيدة، باعتبارها وكيلة عن الشعب، دوراً اقتصادياً عظيماً، خاصة فى مراحل النهوض من وهاد الركود والتخلف إلى الآفاق الرحبة للتقدم فيما يسمى بعملية التنمية.
إلا أن الدولة المصرية ظلت طوال أربعة عقود طوال، تحديداً منذ منتصف سبعينيات القرن الماضى -عندما بدأ الرئيس الراحل السادات سياسة الانفتاح الاقتصادى لإعادة إدماج مصر فى المنظومة الرأسمالية العالمية والتقارب سياسياً مع الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، باعتباره يملك حسب تقديره 99% من أوراق لعبة الشرق الأوسط- تلعب دوراً اقتصادياً غير رشيد. ويمكن تلخيص هذا الدور فى استغلال الدولة لتكليف الشعب لها بإدارة شئون البلاد فى التكالب على جمع المال من خلال الاقتراض والاستجداء والجباية الجائرة ثم إهداره بالإنفاق العام غير الرشيد، وبادى السفه فى أحيان، وتسخير الحصيلة لإثراء عصبة قليلة العدد تحيط برأس الحكم وتحتكر السلطة والثروة، تنهب البلد وتهرب الأموال خارجه، بينما يعانى أغلب الشعب القهر والإفقار.
وهذا زعم خطير يحتاج لتدليل. ودليلى هو أن الدولة المصرية، فى ظل النظام الذى قامت الثورة الشعبية العظيمة لإسقاطه ولم تفلح بعد، تلقت على سبيل الاقتراض والمعونة من خارج مصر عبر هذه الفترة ما يتعدى تريليون (ألف مليار) جنيه بسعر الدولار الحالى، منها قرابة 500 مليار جنيه من الولايات المتحدة وحدها على صورة معونات عسكرية واقتصادية مكافأة على توقيع اتفاقية كامب ديفيد التى صيغت لضمان أمن إسرائيل، وفوق ذلك اقترضت الحكومة من الشعب أكثر من تريليون جنيه، حيث تعدى الدين المحلى الآن تريليون وثلث التريليون، ومع ذلك انتهى أغلب أموال المعونات والقروض منهوباً ومهرباً إلى الخارج بواسطة عصبة الحكم الفاسدة، ولم يبق للشعب الكريم منها إلا معاناة الفقر والقهر والظلم الاجتماعى الفادح.
أى إن الدولة فى مصر أتيح لها بالوسائل المذكورة فى المتوسط، ما يربو على 600 مليار جنيه فى السنة الواحدة عبر العقود الأربعة الماضية، ولم تنجح فى توظيفها فى مشروع جاد التنمية يعود على أهل مصر بالخير.
مثل هذه الدولة يجب أن تعد سفيهة اقتصادياً وفاشلة تنموياً، ويتوجب الحجر عليها من قبَل شعبها بسبب فشلها فى التكليف الشعبى بحماية الصالح العام وحسن إدارة البلاد وتنميتها.
المشكل إذن ليس فى نقص الأموال ولكن فى نظام الاقتصاد السياسى الذى يُوظفها لمصلحته بينما يهمل المورد الأهم لأى اقتصاد فى عصر المعرفة، أى البشر معين المعرفة، ومعيار التقدم، بل يهينهم ويحط من كرامتهم. ولذلك عِبنا على جميع أطوار الحكم التسلطى التى تلت الثورة احتفاظها بهذا النظام كما كان بحذافيره وهرولتها لاقتراض واستجداء الأموال من الخارج بالإضافة إلى الجباية الجائرة من الشعب المسكين، فذهنية هذا النظام تخنزل الاقتصاد فى المال، وهو تعريف ضيق وعقيم خاصة فى بلد كمصر قام مجدها دائماً على الابتكار والإبداع الإنسانى، أى إنتاج المعرفة بالمصطلح العلمى المعاصر والذى يشمل الابتكار العامى كما يضم الإبداع الأدبى والفنى. ولا يقدر على هذا إلا البشر الأصحاء والمتعلمون جيداً والمتمتعون بمناخ يصون الحريات، عصب الفكر والابتكار والإبداع. ولكن هذه المميزات التاريخية هى بالضبط ما يقتل نظام الاقتصاد السياسى القائم.
وقد يستغرب القارئ من كونى لا أفرق بين مراحل مختلفة فى هذه الفترة الطويلة نسبياً، حسب تغير شخص رأس الدولة كما جرى العرف فى مصر باعتبار نظام الحكم فيها فى الجوهر رئاسياً مطلقاً. ولكن هذا هو القصد، فزعمى أن الدور الاقتصادى للدولة عبر هذه الفترة لم يختلف فى الجوهر من مرحلة رئاسية لأخرى وإن اختلفت المظاهر الشكلية بالطبع. وعلى وجه الخصوص، فمن الخطأ الفادح عندى إقامة فصل فى الدور الاقتصادى للدولة فى مصر قبل الثورة الشعبية العظيمة وبعدها، فلم يختلف قيد أنملة وإن حاول البعض زوراً إسدال حجاب إسلامى رقيق وزائف على الطور الراهن لدور الدولة الاقتصادى.
وللتدليل على هذا الزعم أسوق لاعتبار القارئ المقابلة التالية. يحكم مصر الآن سلطة تدعى الحكم بالإسلام، وبحكومتها وزير مالية يزعمون أنه خبير فى الاقتصاد الإسلامى وسيوجّه الحكومة تلك الوجهة، ومع ذلك فإن السياسة التى يتبعها وزير المالية «الإسلامى» هى بحذافيرها تلك التى ابتدعها جمال مبارك ويوسف بطرس غالى فى أبشع تطبيقات ما يسمى «توافق واشنطن» الذى يملى على الدول المتخلفة التى تبغى الاقتراض شروط تحالف ثلاثى من صندوق النقد الدولى والبنك الدولى ووزارة الخزانة الأمريكية، وهدفه الرئيس رعاية مصالح الرأسمالية العالمية. وهكذا كان اقتصاد مصر منذ ثمانينيات القرن الماضى وحتى الآن محكوماً بسياسات هذا الثلاثى الذى أقرض الدولة المصرية بشروط أنتجت البطالة والفقر والظلم الاجتماعى الفادح، وهى العوامل التى تسببت فى اندلاع الثورة الشعبية العظيمة. وكما انتهت عصبة جمال- يوسف فى أشد تطبيقات الجباية الجائرة بفرض الضرائب العقارية وبالرغبة فى إصدار صكوك ترهن أصول الشعب الذى فوّض الحكومة حسن إدارتها للصالح العام، وليس للحكومة أصلاً حق التصرف فيها لكونها ملكاً للشعب، بأجياله الحالية والقادمة، ما يجعل تصرف الحكومة فيها جناية تبديد. ولكن هكذا تماماً تفعل وزارة سلطة الإسلام السياسى ووزير المالية «الإسلامى»! إذن وزير المالية «الإسلامى» يطبق بالضبط سياسات عصابة جمال مبارك ويوسف بطرس غالى، بما فى ذلك الصكوك والضرائب العقارية، وفى الحقيقة لم تخترع تلك العصابة الضريبة العقارية، فقد ابتدعها فى مصر منذ قرنين تقريباً الوالى المملوكى عثمان بك البرديسى فى 1804، وتسببت فى الثورة عليه وإنهاء حكم المماليك. ولعل القارئ يتذكر أن التذمر الشعبى من فرض الضرائب العقارية ومحاولة تقنين الصكوك على أصول الشعب كانا من العلامات الاقتصادية على قرب نهاية عهد محمد حسنى مبارك. وقد يعيد التاريخ نفسه!
ولكن لنقم الحجة الآن على اتهام الدولة بالإنفاق غير الرشيد المسرف والمبذر إلى حد السفه أحياناً.
نزعم أن كثيراً من الإنفاق العام فى ظل الحكم التسلطى غير رشيد مسرف وبذخى، وبعضه بادى السفه، وجميعه منحرف عن غاية إقامة العدل إلى غرض تدويم الحكم التسلطى. وفى هذا يقع مثلاً تفسير أن يزيد عدد العاملين بجهاز الأمن عن مجموع العاملين بقطاعى التعليم والصحة معاً.
* الترف والبذخ فى الإنفاق العام، بواسطة الرئاسة وحكومتها، مثل التبذير فى شراء السيارات الفارهة الحديثة رغم الأسطول الضخم الموروث من العهد السابق، ليس فقط للرئاسة وللوزراء، بل لمساعديهم ومستشاريهم، وحتى السابقين منهم ولقوات الأمن؛ وعلى تجديد القصور الرئاسية، بدلاً من العمل على بيعها أو تحويلها لمتاحف تدعم السياحة وتدر دخلاً لتدبير موارد إضافية لخزينة الدولة التى أفرغها سوء الحكم. والإنفاق الباذخ على رحلات الرئيس والوفود الضخمة التى يصطحبها، بما فى ذلك الإصرار على الإقامة فى أفخر الفنادق وأغلاها، والله يرحم الوالدين.
* التمويل الباذخ لفرق كرة القدم التى تمولها الوزارات والقوات المسلحة والشرطة، والتى يجب بيعها إن وجدت مشترياً وإلا فلتتوقف.
* الإغداق على تغول الأمن، وهو أمن رجل واحد أو أمن الدولة ولو على حساب إهدار أمن المواطنين. من الخبل مثلاً أن يزيد عدد قوى الأمن فى مصر على مثيله فى الصين رغم أن تعداد سكان الأخيرة يقارب عشرين ضعفاً سكان مصر.
* سفه دعم الأغنياء، مثل دعم الطاقة للمشروعات المصرية والأجنبية التى تبيع حتى فى داخل مصر بالأسعار العالمية.
* النظام الضريبى القائم على الجباية الجائرة (ومن معالمه غلبة الضرائب على الأجور والمرتبات، وغلبة الضرائب غير المباشرة، والتوسع فى الإعفاءات لعوائد رأس المال).
* التهريب غير المشروع للأموال المنهوبة والمتحصل عليها من سبل غير مشروعة إلى الخارج.
* ومن أسف فقد امتدت عدوى الإنفاق التفاخرى والمبذر إلى المجتمع كله. ونشير هنا إلى الإسراف فى تكرار الحج والعمرة: فبينما فرض الله الصلاة خمس مرات فى اليوم لم يفرض الحج إلا «لمن استطاع إليه سبيلا». وقد يندهش القارئ من أن تخفيض عدد الحجاج والمعتمرين إلى النصف يمكن أن يوفر للدولة والمجتمع قرابة مليارى دولار سنوياً يراق ماء وجه مصر والمصريين لاستجدائها ممن قد لا يستأهلون سؤالهم أصلاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.