ورقة استقالة، هى كل ما قدمه المستشار أحمد مكى، وزير العدل، اعتراضاً على محاصرة المحاكم وعدم احترام أحكام القضاء، ورقة رفضها رئيس الحكومة ولم يصر عليها وزير العدل، ليقرأ البعض استقالته على أنها محاولة للالتفاف حول اعتراض القضاة على التعدى على السلطة القضائية منذ توليه مسئولية القضاء. رغم وعوده بتقديم استقالته بعد عيد الفطر، فلا يزال المستشار أحمد مكى باقياً فى مكانه؛ حتى ساعد فى محاولات الرئيس التى انتهت بالنجاح فى عزل النائب العام السابق عن منصبه؛ رغم وعده بحل الأزمة ضماناً لاستقلالية القضاء. لمع اسم المستشار أحمد مكى، وعلا نجمه، بفضل مواقفه المناهضة لتغول السلطة التنفيذية فى شئون القضاة، فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك، فبات أحد أعمدة القضاء المستقل، لكن الزخم الذى أحدثه «مكى» طوال سنوات عمله ونضاله مدافعاً عن «استقلال القضاء»، بدأ يتراجع بعد أدائه الذى يصب فى مصلحة «الإخوان» التى قال عنها: إن الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين ليس تهمة فهى جماعة منظمة تتمتع بحرية وديمقراطية داخلها. مواقف وزير العدل بعد وصوله إلى السلطة، اختلفت كثيراً، فلم يعد يعبأ بما يصل إلى الرأى العام عن انحيازه لسياسات الرئيس، حتى إذا كان يحتفظ برأى معارض لتلك السياسات، لدرجة تبنيه قانون الطوارئ الذى كان يعارضه بشدة، فضلاً عن تهديده باللجوء إلى الأحكام القضائية لحل أزمة المظاهرات الفئوية. دشن مكى مجلساً وطنياً مستقلاً للإعلام والصحافة يتولى توقيع العقوبات المهنية التأديبية، والغرامات على الصحفى أو الإعلامى فى قضايا النشر، ووصف فى إحدى المرات وسائل الإعلام بأنها تلعب دوراً «تخريبياً»، وهو ما يقرأه سياسيون بأنه انقلاب على الإعلام الذى قدم دعماً لتيار الاستقلال فى قضية إحالة «محمود مكى وشقيقه»، والمستشار هشام البسطويسى، إلى الصلاحية بعد تشكيكهم فى نزاهة انتخابات الرئاسة حينها. لا يقف «مكى» عند حد مهاجمة وسائل الإعلام، وإنما طالت مهاجمته أيضاً القوى السياسية المعارضة للنظام، حينما قال فى أحد لقاءاته الإعلامية، إن «هناك مؤامرة تُحاك لعرقلة بناء مصر؛ هدفها تعطيل الدستور وبناء المجالس النيابية، بينما لا تمارس القوى المدنية دورها فى بناء مصر، بل وتساهم فى مخططات الخارج، فى حين تتولى القوى الإسلامية مهمة ومسئولية إعادة بناء الوطن». لم يكتف «مكى» باختيار جميع مساعديه داخل وزارة العدل من أهل الثقة من تلاميذه والموالين ل«تيار الاستقلال» فحسب، بل نجح فى ضم مصلحة الطب الشرعى إليه فى وزارة العدل، بعدما أطاح برئيسها الدكتور إحسان جورجى، بعد تقريره الذى يثبت قتل الناشط محمد الجندى، وقام بتعيين الدكتورة ماجدة القرضاوى قريبة الشيخ يوسف القرضاوى، المقرب من جماعة الإخوان؛ ليسطر مكى، المدافع عن استقلال القضاء، سطراً جديداً داخل وزارة العدل يكبل استقلال القضاء.