فتحت ثورة 25 يناير الباب واسعاً أمام حرية التنظيم السياسى والنقابى والاجتماعى، فتأسست عشرات الأحزاب السياسية الجديدة من كل التيارات الفكرية والسياسية، إسلامية واشتراكية وليبرالية وقومية، حيث يوجد فى مصر الآن أكثر من سبعين حزباً حصلت على موافقة لجنة الأحزاب بعد استيفاء شروط التأسيس بالإضافة إلى عشرات الأحزاب تحت التأسيس لم تستكمل الشروط التى حددها قانون الأحزاب، كما تشكلت مئات النقابات العمالية المستقلة خارج نطاق التنظيم النقابى الرسمى الذى تنظمه أحكام القانون رقم 35 لسنة 1976وتعديلاته، كما تأسست نقابات مستقلة للفئات التى تدخل فى نطاق النقابات المهنية، مثل النقابة المستقلة للمعلمين، ويقبل المصريون بمختلف توجهاتهم ومن مختلف الأجيال على عضوية هذه التنظيمات الحزبية والنقابية بوفرة ملحوظة، حيث اجتذبت الثورة مئات الألوف من المصريين إلى ساحة العمل العام بكل أشكاله، وتحظى الأحزاب السياسية بنصيب وافر من هذا الإقبال، يتجلى بوضوح فى العضوية الكبيرة للأحزاب السلفية التى يؤسسها شيوخ السلفيين ويقبل على عضويتها المريدون التابعون لهؤلاء الشيوخ، وبعد أن كانت علاقة السلفيين تقوم على علاقة الشيخ بالمريد، ها هى تتحول إلى علاقة مؤسسية داخل حزب سياسى، كما أن بعض الأحزاب الليبرالية شهدت نفس الظاهرة بإقبال أعداد كبيرة من الشباب على عضوية حزب الدستور الذى أسسه الدكتور محمد البرادعى وكأننا أمام نفس الظاهرة الشيخ والمريد، حيث طلب هؤلاء الشباب عضوية الحزب ارتباطاً بشخصية الدكتور البرادعى قبل أن يطرح الحزب برنامجاً سياسياً واضحاً أو يضع لائحة لنظامه الداخلى تحكم العلاقة بين الأعضاء والحزب، ولأننا فى حالة ثورية لم تستقر بعد، وفى إطار سياسى يشهد صراعاً محتدماً حول ثورة 25 يناير حيث يحاول البعض إجهاضها، بينما تصر القوى السياسية الليبرالية والاشتراكية والقومية وكذلك المنظمات الشعبية والحركات الاجتماعية والاحتجاجية على استمرارها، فإن الأحزاب السياسية الجديدة تشهد حالة من السيولة لم تشهدها الأحزاب المصرية من قبل، حيث ينضم الشباب إلى أحد الأحزاب، ثم سرعان ما يغادرونه إلى حزب آخر، ويعود بعضهم إلى حزبه الأول بعد أن يختبر الفارق بينه وبين الأحزاب الأخرى، ولا يوجد حالياً ما يشير إلى أن هذه الأحزاب قد نجحت فى بلورة أوضاع تنظيمية قادرة على استيعاب العضوية والاحتفاظ بها لفترة طويلة. ولمواجهة هذه الظاهرة، فإن الأحزاب مطالبة بالتخطيط جيداً لعملية تثقيف سياسى جادة للأعضاء الجدد بحيث يتم إكساب هؤلاء الشباب الثقافة السياسية العلمية التى يفتقدونها لحداثة خبرتهم، ويتضمن البرنامج التثقيفى ضبطاً للمفاهيم المستخدمة فى المجال السياسى كأساس لثقافتهم السياسية مثل الديمقراطية، الدولة، السلطة، التعددية الحزبية، الاقتصاد السياسى، قوى الإنتاج، علاقات الإنتاج، وغيرها من المصطلحات والمفاهيم التى تشكل أساس الثقافة السياسية، كما يتضمن برنامج التثقيف تعريفاً بمفهوم الحزب ودوره فى الدفاع عن مصالح اجتماعية محددة، وفى المنافسة على السلطة، وكيفية بناء التنظيم الحزبى، والمقومات الأساسيه للتنظيم الحزبى وأهمية وحدة النضال السياسى للحزب، والالتزام الحزبى فى إطار برنامجه وقرارات الهيئات القيادية، كما يتضمن البرنامج تعريفاً بتاريخ مصر الحديث، وبطبيعة المرحلة الراهنة، وقضاياها الأساسية، ومشاكل المجتمع، ودور الحزب فى حلها، وبذلك تتوفر للأعضاء المعارف والخبرات التى تساعدهم على مواصلة نشاطهم فى إطار الحزب وبذلك يتمكن الحزب من الاحتفاظ بعضويتها، فلا تتسرب منه إلى أحزاب أخرى، ويمكن أن تنظم عملية التثقيف الحزبى على مراحل للمزاوجة بين التثقيف النظرى والنضال السياسى لضمان استيعاب الأعضاء للمادة النظرية التى درسوها واختبار مدى صلاحيتها للواقع الذى يناضلون فى إطاره وتستكمل عملية التثقيف بتنظيم نشاط جماهيرى يكتسب الأعضاء من خلاله خبرة العمل الجماعى وتخطيط النشاط ومتابعة الإنجازات وتقييمها واستخلاص الدروس المستفادة من الممارسة.هناك مسائل كثيرة ينبغى أن تعطيها قيادات الأحزاب أولوية؛ لكى تتمكن من مواجهة حالة السيولة الحزبية السائدة حالياً التى تعتبر ظاهرة سلبية لما يمكن أن يترتب عليها من انصراف الشباب عن العمل السياسى بعد أن اجتذبتهم الثورة إلى الساحة السياسية، فيشيع اليأس فى نفوسهم مع تكرار التجارب المريرة فى علاقتهم بالأحزاب.