«قبل ساعة واحدة من موته، كان عبدالرحمن معايا فى المستشفى الأميرى بعدما حصل عندى اختناق، وقال لى: قومى يا أم الثوار علشان تراعينا، وتجيبى لنا الأكل زى الأول، بعدها مات.. ذنبه إيه المسكين دماغه تفضل بالساعات مرمية فى الشارع»، قالتها السيدة الأربعينية نصرة مرسى إبراهيم، والدموع تسبق لسانها وهى تروى ل«الوطن» اللحظات الأخيرة فى حياة عبدالرحمن السيد العربى، أحد متظاهرى بورسعيد الذى لقى حتفه الأحد الماضى، الذى كان يناديها مع زملائه ب«أم الثوار». هذه السيدة البسيطة ذات ال42 عاما، تقسم بأن المتظاهرين هم خيرة شباب بورسعيد، تقول: : «الولاد فى الميدان كلهم ولادى، دول أنضف شباب وأكتر شباب متعلم، وكلنا على باب الله، أنا وهما، عشان كده باحاول أبقى وياهم وبخاف عليهم، وهما سمونى «أم الثوار»، وعند سماع صوت دوى طلقات النار، أو قنابل الغاز تقفز نصرة متفحصة من حولها، ومناشدة إياهم بالاحتراس مما قد يصيبهم. مع إعلان متظاهرى بورسعيد العصيان المدنى وبدء الاعتصام بميدان المسلة، مركز التظاهر بالمدينة الباسلة، أمسكت نصرة لافتة كتبت عليها «هل حكم الإخوان بدم الشهدا؟ ولا بالزيت والسكر؟»، جملة ساخرة تترجم كثيرا من قناعات السيدة التى تهتم بأولادها كما تفضل أن تسميهم من المتظاهرين أكثر مما تهتم بثيابها البسيطة، بلوفر صوف وفوقه «جاكيت» بأزرار كبيرة، وحجاب رأس لا تهتم بإعادة ترتيبه بينما تكتفى به كساتر لشعرها. نزلت نصرة مرسى إلى ميدان المسلة، موقع الاشتباكات الرئيسى بين الشرطة والمحتجين، رافعة حزمة مطالب، منها: «مرسى لازم يرحل، وقبل ما يرحل لازم يتحاكم لأنه هرب من السجن، وهو ده العدل، والعدل برضو إننا نجيب حق الشهداء، الشباب اللى عمال يموت بالأونطة». ولا تخجل «أم الثوار البورسعيدية» من الإفصاح عن مهنتها الشريفة «خادمة» قائلة: «أنا باشتغل فى البيوت، خدامة يعنى، هل الشغل عيب أو حرام؟» تتساءل السيدة مضيفة «باحاول أوفق بين شغلى والثورة وأولادى، معايا ولدين وبنت وأنا مطلقة باصرف عليهم». لدى نصرة قناعة بأن «مبارك دمّر بورسعيد، ومرسى لما وصل كمّل عليها، لحد ما شبابنا مبقاش عارف يتزوج، ولا يشتغل، حتى اللى بيتظاهر من الغلابة بيضربوه بالنار زى شاب النهارده اسمه مسعد بيشتغل على تروسيكل أخد رصاصة فى وشه، بقى بين الحياة والموت». أثناء الليل كثّفت قوات الشرطة الموجودة بمديرية الأمن، من إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع، فقالت نصرة ساخرة: «بيضربونا بقنابل بشىء وشويات، والشباب مش لاقى ياكل، ما بدل من ضرب القنابل والرصاص يوزعوا فلوسها على الشباب يتجوزوا بيها، وأضافت غاضبة «أولاد بورسعيد لا يمكن يفرطوا فى بلدهم علشان كام جنيه، أنا من ولاد بورسعيد لكن من مواليد الهجرة». ولا تمل نصرة «أم الثوار» من التنقل بين ميدان المسلة موقع الاشتباكات لمتابعة الأحداث، إلى المستشفى الأميرى للاطمئنان على «أولادها»، أو إلى المسجد بين الحين والآخر لتشييع جثمان واحد من هؤلاء الأبناء، دون أن تمنع نفسها من البكاء وهى تصرخ: «مرسى ميستحقش يكون رئيس، حرام عليه وربنا ينتقم من اللى جابوه». أخبار متعلقة: الاعتداء على مبنى محافظة دمياط ومقر «الحرية والعدالة» بعد جنازة الشافعى «الوطن» ترصد ليلة دامية أمام مديرية أمن بورسعيد كبير المسعفين: مجزرة جماهير الأهلى «ذرة» من الاشتباكات الأخيرة آلاف المتظاهرين يطالبون بإسقاط «مرسى» فى المنصورة