لا أحب لفظ (العسكر) لأنه ينطوى على قيمة سلبية فى الأذهان، أحب استخدام لفظ (الجيش) فهو أكثر قرباً وحميمية، يجيش بالمشاعر، وينطوى على قيمة إيجابية فى الأغلب، لكن أن يؤسس كاتب رواية، فقط لتبييض وجه العسكر، غسل أيديهم وتمجيد خطواتهم، ذلك ما استوقفنى فى كتاب (خبرنى العندليب) للكاتب الصحفى عمر قناوى، لا لأن الجيش لا يستحق، ولكن لأن الرواية لا تحتمل لوى العنق، وتوجيهها لخدمة أغراض أخرى خارج الكتابة، ولأن كتاب الثورة الذى يسرد خلالة عمر قناوى يوميات ثورة يناير طوال 18 يوماً، لم يمنح الشباب حقه، بينما أعطى كل المجد للجيش، الذى فكر وخطط ووجه وساند وحرك وقام بصناعة الحدث..!! (خبرنى العندليب) عنوان شاعرى مبهر، ربما هو دافعى الأول للبحث عن الكتاب، وهو يحيل إلى أغنية فيروز (سنرجع.. خبرنى العندليب) للشاعر الفلسطينى هارون هاشم رشيد.. لكن العندليب الذى خبر الكاتب بالحكاية كلها، يشير إليه على امتداد الرواية (بالصديق) دون ذكر اسمه، أو عمله، أو أى ملامح تدل على شخصيته، على الرغم من عشرات الأسماء التى حرص الكاتب على توثيقها بالكتاب!.. حرص الكاتب على وضع لفظ (رواية) فى الصفحة الداخلية للكتاب، بينما وضع على الغلاف الخارجى أسفل العنوان الرئيسى، عنواناً أصغر (كتاب الثورة)، النص أقرب للنص التسجيلى، شهادة واقعية على ما حدث بالتواريخ والأسماء والوقائع، وأظنه وضع لفظ الرواية، ليمرر شخصية العندليب أو الصديق، المنتمى فى الأغلب لجهاز سيادى فى الدولة، فقبل 5 سنوات من الثورة بشره الصديق بأن ثمه شيئاً كبيراً سوف يحدث، حدد المشاركين فيه، وحدد ترتيب أوضاعهم وحركتهم، أخبره أيضاً بالحرائق التى شهدتها مصر قبل شهور من الثورة، أخبره عن تنحى مبارك من قبل أن يحدث، عن الانتخابات الرئاسية والمرشحين لها.. شخصية أقرب للخيال ولشخصيات الرواية، لكن قناوى حريص على نفى الخيال، وتأكيد أن ما يسرده، حدث كاملاً، وهو ما يعنى، أن هناك من فكر وحرك ووجه الأحداث، وأن الثورة هى صنيعة الجيش (القوى الصلبة للدولة) أو (الدولة العميقة) التى تتدخل دائماً لتصون وتحمى، وهو يؤكد كلامه بالعديد من الوقائع والتصريحات، فبحسب مصادر عسكرية كما نشرت جريدة الشروق (أن أحد أسباب صعود الفريق السيسى لتولى منصب المشير، هو دوره فى التخطيط للإطاحة بمبارك عقب اندلاع أحداث 25 يناير). الجيش انحاز لثورة يناير منذ اليوم الأول، هذا ما يؤكده الكتاب، ويضيف قناوى أيضاً، وهو صانع الحدث أو موجهه فى اتجاه الثورة، وهى الرؤية التى تهمش كل الأسماء التى حفل بها الكتاب، تهمش جيلاً من الشباب بدا طوال الكتاب، متجولاً فى الثورة، مجرد حناجر وهتافات، لا مجال للحديث عن رؤية، ولا سياق، ولا فكرة، ولا خطة، ولا تخطيط، ولا ارتباط، ثمه شىء مفكك عفوى وعشوائى، لا يمتلك وعياً كافياً، شىء أقرب لحبات العقد، بينما الخيط الذى ينظمها، فى يد أخرى أو عقل آخر، وهو ما يشير إليه (أن الثورة ليست الفيس بوك ولا الميادين لكن هناك أدوات أخرى تم استخدامها).