تتراكم طبقات الحكاية كما تتراكم الأرفف في مكتبة كوكب عنبر, حيث تدور أحداث الرواية الأولي للكاتب الشاب محمد ربيع. التي تحمل العنوان ذاته والتي صدرت اخيرا عن مكتبة الكتب خان نتاجا لورشة نظمتها المكتبة لكتابة الرواية باشراف الكاتب ياسر عبد اللطيف. ومنذ بداية الرواية وحتي نهايتها تتنقل الاحداث بين ساردين يتبادلان الحكي فتتبدل معهما اللغة والرؤية. وعلي القارئ علي طول الرواية ان يتنبه لكل جملة, ففي كل منها ترقد قطعة من البازل المشكل للوحة التي اختار ان يراها من بين اللوحات العديدة التي تزخر بها الرواية. ومنذ بداية حواري معه يحرص الكاتب محمد ربيع علي التأكيد علي عدم اكتراثه بالتصنيف فيقول ردا علي سؤالي: ربما كانت كوكب عنبر في احد مستوياتها لغزا, ولكن هذا لا يعني اني أكتب البوب آرت. فشروط البوب آرت تجعل الاثارة هي هدف الرواية, حتي ترتفع مبيعاتها إلي آلاف مؤلفة من النسخ, وهو ما لم اهتم بأن يتوفر لرواية كوكب عنبر, فالاثارة ليست هدفي الاساسي, ولا المبيعات هي كل ما يشغلني. * بماذا تهتم اذن؟ انا أهتم بالامتاع, فأكتب ما أحب, وما أحبه في العمل الادبي ان يكون قادرا علي اشراك القارئ في دفع احداثه, ان يفكر ويقرأ ما بين سطوره, لهذا كتبت ما يمكنني ان استمتع به انا كقارئ, فلو رأي البعض أن هذا مجرد كتابة مثيرة تعتمد علي حل لغز ما فلا يمكنني أن اتدخل في هذا, وان كان يعني ان الناقد أو القارئ الذي قام بتصنيفي ككاتب اثارة لم يقرأ الرواية من الاصل أو لم يدركها بشكل كامل, ولكني أرفض بحسم ان يتم وضعي في قائمة بعينها. فالأهمية يجب أن تنصرف للصنعة الادبية ومدي توافرها, بصرف النظر عن وجود الاثارة من عدمه. فلم ير أحد في خوسيه ساراماجو مجرد كاتب اثارة ولا امبرتو ايكو الذي رأي البعض في روايتي اصداء لروايته اسم الوردة. وهذان الكاتبان اعتمدا علي حبكات تتسم بالغموض أيضا, ولكن لم يتم اختزالهما في كونهما مجرد كاتبي اثارة يكتبان روايات خفيفة. * ذكرت ان البعض رأي اصداء من كتابات ايكو وساراماجو لكن الرواية تحمل كذلك اصداء واضحة لرواية جيمس جويس عوليس. لا توجد في الرواية اصداء لايكو وساراماجو بالمعني المتعارف عليه, ولكن ربما كان لغموض الحبكة ووجود بعد ميتافيزيقي بها اثرا في الايحاء بهذه الاصداء. أما عوليس جيمس جويس فأمر مختلف, فرواية عوليس كانت أحد الاسباب الرئيسية التي قادت لميلاد فكرة الرواية من الاساس. * وكيف كان هذا؟ لقد قرأت عن عوليس قبل ان اقرأها, وعندما حصلت علي ترجمة د. طه محمود طه للرواية, شرعت في قراءتها علي الفور. لكني لم اتمكن من استكمالها في نسختها المترجمة. ولا انكر المجهود الكبير والانجاز العظيم الذي قام به المترجم, لكن الترجمة اطلقت في رأسي من جديد سؤال الترجمة, وهل يجب وضع قواعد جديدة لترجمة نصوص بعينها تختلف عن قواعد ترجمة غيرها من النصوص؟ وهل علي المترجم ان يتجاوز مناهج الترجمةعند تعامله مع نصوص تتسم بالخصوصية كعوليس؟. واسئلة اخري عديدة تولدت منها فكرة الرواية, التي تدور حبكتها الرئيسية حول الترجمة وقضاياها. وتبلورت الفكرة أكثر بعدما قرأت ترجمة محمد فتحي كلفت لكتاب الترجمة الادبية. * ولكن في كوكب عنبر تتبادل شخصيتان متباينتان خيوط السرد كما في عوليس وتندمج الاراء والوقائع مع الاحداث إلي جانب وجود تناص فعلي بين عوليس وكوكب عنبر في أحد الاجزاء؟ فيما يتعلق بتبادل شخصيتين لخيوط السرد, فهذا لم يقم به جويس وحده بل قام به العديد من الكتاب, بمن فيهم الاديب الراحل نجيب محفوظ. أما التناص فقد وقع مع أحد مشاهد الفصل الأول في عوليس بالفعل, ولكن في اشارة تنطوي علي تقدير لهذا العمل الادبي العظيم, ولم يتكرر هذا التناص رغم انه كان غير تام. فواحد من الشخصيتين الرئيسيتين في كوكب عنبر د. سيد الاهل رجل غزير الثقافةومن الطبيعي ان يتضمن حديثه اشارات واحالات عدة تنطوي علي التأثر بما يقرأ وهو ماجعل تأثره بعوليس واردا. * جاءت الرواية حافلة بتلك الاحالات كأسماء لكتاب ومترجمين وكتب. دون اهتمام بالتعريف بهم بشكل قد يوحي بأن الرواية موجهة للقارئ المثقف دون سواه؟ لا, الرواية لا تقصد قارئا بعينه بالمرة, ففي تصوري القارئ الذي لا يتعرف علي اسم ما سوف ينشغل بالبحث عنه. بل ان جزءا من حبكة الرواية, يقوم علي تفاعل القارئ معها بالبحث علي الانترنت مثلا. فمن الطبيعي ان يبحث القارئ عما يستغلق عليه, لا ان يترك الرواية وينصرف عنها. ولن يزعجني بالمرة الا يهتم القارئ بالبحث وينشغل بالحكاية, فأنا مقدر من البداية ان البعض لن يمكنهم التفاعل مع الرواية, وهذا ليس مزعجا بالنسبة لي. * ولماذا كنت منشغلا علي طول الرواية بالتأسيس لها علي وقائع واسماء حقيقية؟ اعتقد ان هذا طبيعي فالرواية تنبني علي فرضية, ومن الطبيعي ان يتم التأسيس لهذه الفرضية علي أسس واقعية. فهناك مشروع مترو انفاق يقام بمنطقة العباسية, وهناك مبان ستزال لافساح الطريق لهذا المشروع. فما المانع من ان يكون أحد هذه المباني مكتبة؟, واعتقد انني تمكنت من الحفاظ علي شرط هذه الفرضية ولم اكسرها علي امتداد الرواية. ولقد عمدت للتأسيس علي وقائع لكون الرواية تنطوي علي حبكة شاطحة الخيال, فكان لابد من التأسيس الواقعي من خلال الاحداث والاسماء والوقائع لتكون الحبكة أكثر اقناعا. وأريد أن اؤكد انني في اعتمادي علي اراشيف الصحف والمراجع وسواها لم آت بجديد فموروث الرواية العربية يحفل بأعمال الاساتذة الذين اسسوا رواياتهم علي الوقائع والمراجع والاراشيف مثل جمال الغيطاني وصنع الله ابراهيم وحجاج ادول وغيرهم. * من اللافت في كوكب عنبر ان كثيرا من الشخصيات تم حصارها في مشاهد قليلة رغم وجود فرصة لأن يتسع دورها ويمتد في الرواية فلماذا لجأت لهذا؟ شخصياتي محصورة بزمن الرواية. فشخصيات الرواية كمن نعرفهم في حياتنا اليومية. فلكل منا ادوار عدة فأنا مهندس انشائي وزوج واب ومدون ولي اصدقاء من المهندسين ومعارف من المقاولين والعمال واصدقاء من الكتاب, لكل من هؤلاء عالمه ولي مع كل منهم دور. وكذا شخصيات الرواية, لكل منهم وجه ودور. ويظهر في الرواية الوجه والدور الذي يلزم الحكة دون سواه. لقد كان مسيطرا علي الحرص علي عدم ترهل الرواية وعدم الاسترسال في خيوط سرد ربما لاتخدم الحبكة بشكل تام, وان كانت ممتعة أو محددة أكثر لشخوص العمل. * الهذا السبب قمت بكتابة صلات للرواية علي الانترنت؟ نعم فالصلات عبارة عن نصوص قصيرة كتبت اثناء كتابة الرواية وبعد الانتهاء منها, إلا انها لا تضيف أو تنتقص من الحبكة. فآثرت نشرها علي الانترنت في الموقع المخصص لكوكب عنبر. لأنها نصوص لا تنفصل عن الرواية, أي ليست قائمة بذاتها. وفي نفس الوقت يصعب الحاقها بها, حتي لا تترهل الرواية وتمتلئ بالتفريعات التي لا أهمية لها. وبالمناسبة فكرة الصلات هذه ليست من ابتداعي بل هي معروفة في الكتب التراثية التي أهوي قراءتها واقتناءها. وقد تمتد صلة الكتاب التراثي لتصير كتابا مستقلا بذاته, وتحتوي شروحا أو اضافات. كما أن هذه الصلات المنشورة علي الانترنت قد تثير انتباه البعض لقراءة الرواية. *وماذا عن القارئ الذي لا يتعامل مع الانترنت؟ انا لا أغفله طبعا ولكن كما قلت, الرواية مكتملة في ذاتها كما ازعم بمعني انه لا حاجة لهذه الصلات للالمام بالاحداث. فمن لم يقرأه لم يفته من الرواية شيء. الصور اهداء من الفنانة سارة يحيي