«خلى بالك من أختى يامّه».. رسالة مختصرة قالها «جلال» الذى لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره، وهو يخرج من باب شقته، ولم يكن يعلم أنها كلماته الأخيرة التى ستطرق سمع أمه، بينما همّ هو بالخروج للعمل على «توك توك» ليعود فى نهاية يومه ب25 جنيها يعطيها لوالدته تساعدها على رعاية جدته المسنة وشقيقته الصغرى نبيلة، فى شقتهم الصغيرة بمنطقة «ميت نما» بالقليوبية. انتظرت الأم نجلها وعائل الأسرة الوحيد بعد انفصالها عن والده، فى موعد عودته، لكن لم يعُد «جلال» إلا جثة هامدة.. فقد أطلق عليه «الشيخ سعيد» رصاصة أودت بحياته واستولى على التوك توك وألقى بجثته أسفل الطريق الدائرى، وترك لوالدته دموعا وأحزانا لا تنتهى منذ علمت بنبأ مقتله. «الواد كان حتة لحمة حمرا لكنه شال الهم بدرى يا قلب أمه».. بدأت الأم فاطمة محمد عثمان (40 سنة) تروى ل«الوطن» ما حدث لنجلها، بهذه الكلمات الممزوجة بالحزن والحسرة وسيل من الدموع لم يتوقف طيلة حديثها، وتابعت: «انفصلت عن زوجى منذ 3 سنوات واتحملت مسئولية جلال ونبيلة ودراستهم واشتغلت فى محل منظفات، واستمريت فى رعايتهم وجلال بقى متفوق أوى فى المدرسة وكان المركز الرابع فى أولى إعدادى فى مدرسة منطى الإعدادية». تابعت الأم بأن نجلها كان يطلب منها عدم الذهاب للعمل وأنه سيقوم بترك المدرسة ويبحث عن أى عمل يساهم به فى مساعدتها، إلا أنها رفضت مسايرته وطلبت منه التركيز فى دروسه ومذاكرته، لكن عندما تثاقلت أعباء الحياة عليها، استطاعت بمساعدة أصحاب القلوب الرحيمة أن تشترى توك توك وأعطته لنجل شقيقتها الذى رفض العمل عليه بعد 20 يوما بعدما سمع عن العديد من حوادث السرقة بالإكراه، فقررت أن يعمل جلال عليه لكنها اشترطت أن يكون ذلك بعد عودته من المدرسة واستمر لمدة أسبوع. ويوم الواقعة كان جلال يقف فى منطقة الثلاجة بالتوك توك ينتظر الزبائن حتى حضر إليه رجل ملتح وقال له «وصلنى يا بنى لحد ميت حلفا»، وأثناء سيرهما أسفل الطريق الدائرى أخرج الشيخ فرد خرطوش وأطلق منه رصاصة فى صدر الطفل، وفر هاربا بالتوك توك. تقول فاطمة «لما اتأخر لبعد الساعة 8 قلبى أكلنى على الواد ومسكت التليفون واتصلت بيه.. ورد عليا واحد قال لى إنه لقى التليفون ده بعد بوابة تحصيل الرسوم على طريق الإسماعيلية، فاتصلت بوالده وقلت له وبدأنا ندوّر فى أقسام الشرطة والمستشفيات لغاية ما أبوه لقاه فى ثلاجة مستشفى ناصر العام فى شبرا الخيمة». أما والد الطفل القتيل فقال: «لو واحد كافر مش هيعمل فى عيل صغير اللى أنا شفته، أنا لقيت ابنى فى وضع الجلوس وأحشاؤه خارج بطنه»، وقال إنه عندما فتح أحد العمال باب الثلاجة وجد نجله جثة هامدة فسقط على الأرض من هول المفاجأة. وفى مكتب العميد جمال الدغيدى جلس والد الطفل ليكشف له فريق البحث الجنائى عن أنهم عثروا على جثة نجله ملقاة على الطريق الدائرى وبها عدة طلقات نارية، وبدأ رجال المباحث السير فى إجراءات الضبط وبالاتصال برقم الهاتف رد أحد الأشخاص وأخبرهم أنه يدعى محمد ويعمل تاجرا وأنه عثر على الهاتف أثناء سيره على طريق بورسعيد الإسماعيلية، فتم تتبع هاتف القتيل ليفاجأ الجميع بأنه مع شيخ ملتح يدعى سعيد.أ (35 سنة)، وبسؤاله أقر أنه مرتكب الجريمة، وأنه لجأ إلى التخلص من الطفل حتى لا يدلى بأوصافه للشرطة. واتهم والد الطفل رئيس الجمهورية محمد مرسى ووزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم بالتسبب فى قتل نجله «بالترك» لأنهما مسئولان عن إعادة الأمن إلى الشارع وضبط الخارجين على القانون وهذا لم يحدث على حد قوله. نبيلة عبدالوهاب (70 سنة) جدة الضحية قالت: «ياريت كنت أنا اللى مت مش إنت يا جلال»، وتابعت أنه حضر إليها قبل وفاته بأربعة أيام وطلبت منه التركيز فى مذاكرته ودروسه، فرد عليها «أنا باذاكر وباشتغل على التوك توك علشان أصرف على أمى وأختى»، ثم تركها وانصرف حتى فوجئت بخبر وفاته.