فى حضن الجبل ترقد قرية «الونتنى» فى مركز دار السلام فى سوهاج رمزا للمعاناة فى صعيد مصر، عدد سكانها 10 آلاف نسمة، القرية يلفها الظلام الدامس ليلا، يعيش أهلها على النور الربانى ولمبة الجاز، حياتهم تبدأ بعد الفجر وتنتهى بعد صلاة العصر مباشرة، يشربون مياه الترع والمصارف، يطهون طعامهم على «الكانون»، علاقتهم بالواقع منعدمة لا يعرفون شيئا عن الأحادث الجارية، لا يهمهم سقوط النظام أو محاكمة مبارك. بعد صلاة الفجر يخرج الرجال والنساء إلى الأراضى الزراعية، يجرون ماشيتهم التى تعتبر بالنسبة لهم الحياة، ويعودون إلى منازلهم بعد صلاة العصر. يقول محمد عبدالحافظ أحد أبناء القرية: «نعيش فى عذاب الظلام الدامس الذى صبغ لون حياتنا، نفتقد لكل الخدمات ليست الكهرباء فقط، ولكن مياه الشرب والصرف الصحى، نعتمد على مياه الترع والمصارف، أصبنا بالكثير من الأمراض مثل الفشل الكلوى، والكبدى»، وأضاف: «القرية لم يزرها مسئول واحد فى المحافظة، لا يعتبرونها على الخريطة، وتقدمنا بالعديد من الشكاوى ولكن لا مجيب، يتعاملون معنا وكأننا أموات». ويقول أحمد حافظ مزارع من أبناء القرية: «نعيش فى ظلام دامس وحالك، ويتعرض الأهالى للخطر الشديد من الحيوانات المفترسة مثل الذئاب التى تنزل ليلا من الجبل إلى المنازل بحثا عن الطعام والشراب، فضلا عن الثعابين والعقارب التى تنتشر فى القرية، لا يمر يوم دون أن يلدغ ثعبان أو عقرب أحد أهالى القرية، والأمر يكون أكثر خطورة إذا أصيب طفل صغير لا يتحمل السم، خاصة أن القرية لا يوجد بها مستشفى ولا تتوافر أمصال ضد لدغ العقارب والثعابين». وأضاف: «الأهالى يعيشون على لمبة الجاز، وأصيب معظمهم، خاصة الطلاب الذين يستذكرون دروسهم، بأمراض الجهاز التنفسى مثل الربو، والحساسية، وأمراض العيون بسبب ضعف الإنارة، وانبعاث غاز ثانى أكسيد الكربون من فتيل اللمبة، قدمنا شكاوى عديدة للمسئولين، ولكن ودن من طين والأخرى من عجين». ويقول ناجح أبوتوفيق (تاجر) من أهالى القرية: «قريتنا تفتقر إلى أبسط الخدمات، لا يوجد مدارس بالقرية، أو مستشفيات، أو مكتب بريد، أو مركز شباب، حياتنا بدائية من الدرجة الأولى، ومعزولون عن كل الأحداث التى تدور حولنا، لا أكون مبالغا إذا قلت إن هناك أناسا فى القرية لا يعرفون أن النظام السابق سقط، وأن مبارك أصبح رئيسا سابقا، وتمت محاكمته، ودخل السجن هو وأولاده، ووزراء كثيرون، القرية لا توجد فيها تليفزيونات نتابع من خلالها الأحداث، ومن يتابع السياسة وأمورها قلة من أبناء القرية، إما أن يكونوا طلاب جامعة، أو موظفين، أما باقى أهالى القرية وخاصة كبار السن فلا يزالون يعتقدون أن حسنى مبارك هو الرئيس الذى يحكم مصر، ولا يعرفون شيئا عن انتخابات رئاسة الجمهورية، أو عن المرشحين لرئاسة الجمهورية، نستيقظ فجرا للذهاب إلى أشغالنا فى الأراضى الزراعية، ونعود مع صلاة العصر إلى منازلنا». وأضاف: «قرية الونتنى سقطت من حسابات المسئولين عبر عقود حكم مبارك، ونخشى أن يستمر هذا الوضع، ووصلنا إلى يقين أن قريتنا سقطت من خريطة الحكومة، المسئولون فى سوهاج لا يعترفون أن هناك قرية اسمها الونتنى يقطنها أكثر من 10 آلاف نسمة، لا يجدون كوب مياه نظيفة أو لمبة كهرباء تنير ظلام ليلهم الحالك، أو مدرسة يتعلم فيها أبناؤهم أو مستشفى لعلاجهم، أو مركز شباب، أو مكتب بريد، أو مخبز، لا نزال نعيش فى عصور الظلام، والحكومة تعتبرنا مواطنين من الدرجة العاشرة».