القاضى الغاضب يتحدث، يتوعد بلسان الحانق والقابض بيديه على الجمر، «لن نترك أحداً يتطاول، لن نسمح ببقاء المجلس كالشوكة فى الظهر»، القاضى الغاضب يرفع بيديه فوق منصة، لا يملك فيها إطلاق الأحكام، لكن يحكم «سنكون شريكاً فى الحكم، من اليوم سوف يتحدث القضاة فى السياسة، الدستور يصنف السلطات ثلاثاً، ولكل واحدة منها الثلث، كل الخيارات مطروحة، تدويل القضية، عدم الإشراف على الإعادة.. أما من يتعدى علينا.. فسنقطع رجله»، القاضى العادل يهدد خصومه بحد الحرابة: «أَوْ تُقَطّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ». القاضى الفاهم للقانون، ورئيس نادى قضاة القاهرة، يبدو أن السكرة ذهبت بكياسته المعهودة، ينسى سلطاته، تعجبه لغة التهديد، يهتف أحد الحاضرين بالقاعة: «وَلاَ يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ»، يعلو صوته: «سنعلق العمل بالمحاكم، ونسحب قانون السلطة القضائية من البرلمان، وسنرفض تطبيق أى قوانين تأتينا من تلك النواب» من يرفض الطعن فى حصانة القضاة يطعن فى حصانة نواب الشعب، ويهدد بتقديم عشرات الآلاف من البلاغات ضدهم، علهم يصمتوا «أو ينفوا من الأرض»، يهتف ثانٍ: «اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتّقْوَى»، يأتى صوت من خلف «الزند» يعاتبه: أوْجِزْ لى مضمونَ العَدلِ ولا تَفلِقْنى بالعُنوانْ . لنْ تَقوى عِندى بالتّقوى ويَقينُكَ عندى بُهتانْ إن لم يَعتَدِلِ الميزانْ . شَعْرةُ ظُلمٍ تَنسِفُ وَزنَكَ لو أنّ صلاتَكَ أطنانْ الإيمانُ الظالمُ كُفرٌ والكُفرُ العادِلُ إيمانْ الشيخ الفاهم معنى العدل، والمتبرئ ممن نزلوا عن المنصة ليكونوا فى الميدان: «إنهم لا يمثلون قضاة مصر، ولا يجب مشاركتهم مع الغوغاء والعامة»، يجلس ثانية فى كنف الشيخ حسان، يمتدح ويثنى ويعدد فى مناقب البرلمان «القضاة يتحرقون شوقا لليوم الذى يحكمون فيه بأحكام الشريعة، لكن لم تكونوا أنتم أصحاب المجلس التشريعى» لا نامت أعين الجبناء. ساعة يتقدم المستشار أحمد مكى بمشروع قانون استقلال القضاء بعد الثورة، يدعو الزند إلى جمعية عمومية، رئيس نادى قضاة طنطا السابق، يرفض الاستجابة لمظاهرات نظمها الآلاف أمام دار القضاء ضد تأخر تطهير القضاة، والمطالبة بالاستقلال الكامل له، يعتبرها مطالب فئوية، أشياء لا ترقى لمستوى الحدث، وحده يقر ويعترف بأن القضاء نزيه ما دام هنالك من أجلسه فوق ذاك المقعد للمرة الثانية على التوالى رئيساً لنادى قضاة العاصمة. يهتف شاب من خارج مؤتمره الصحفى الساخن بكلمات أحمد مطر: يشتمنى ويدعى أن سكوتى معلن عن ضعفه، يلطمنى ويدعى أن فمى قام بلطم كفه، يطعننى ويدعى أن دمى لوث حد سيفه، فأخرج القانون من متحفه، وأمسح الغبار عن جبينه، أطلب بعض عطفه، لكنه يهرب نحو قاتلى وينحنى فى صفه، يقول حبرى ودمى: « لا تندهش، من يملك «القانون» فى أوطاننا، هو الذى يملك حق عزفه».