مر أكثر من خمسة عشر شهراً على ثورة 25 يناير التى أطاحت برأس النظام السابق وقد توقع الكثيرون هبوط سعر صرف الجنيه المصرى أمام العملات الأجنبية لا سيما الدولار الأمريكى فى أعقاب الثورة والسبب فى هذا التوقع هو أن أغلب الشعوب التى مرت بثورات أو تحولات سياسية كبيرة شهدت انهياراً فى اقتصادها مباشرة بعد تلك الثورات خاصة فيما يتعلق بسعر الصرف، ولكن على العكس من ذلك لم يهبط سعر صرف الجنيه المصرى أمام الدولار بشكل كبير، حيث تراجع سعر صرف الجنيه المصرى أمام الدولار بعد أن كان 1 دولار يساوى 5.80 جنيه مصرى فى يناير 2011 ليصبح 1 دولار يساوى 6.04 جنيه مصرى فى أبريل 2012 وهو هبوط لا يتعدى 5% من سعر صرف الجنيه المصرى أمام الدولار. ولكن كيف حدث ذلك؟ ببساطة شديدة تدخل البنك المركزى بشكل قوى فى سوق العملة للدفاع بشكل مستميت عن سعر صرف الجنيه المصرى من خلال شراء الجنيه بكميات كبيرة من المستثمرين الذين قاموا ببيع الجنيه مقابل العملات الأجنبية -خاصة الدولار الأمريكى- نظراً لعدم ثقتهم فى الجنيه المصرى بعد الثورة، واستخدم البنك المركزى احتياطى النقد الأجنبى للقيام بذلك ما أدى إلى انخفاض احتياطى النقد الأجنبى بعد أن كان 36 مليار دولار فى ديسمبر 2010 (أى قبل الثورة مباشرة) ليصل إلى ما يقارب 16 مليار دولار فى يناير 2012 الذى واصل انخفاضه إلى ما دون ال15 مليار دولار فى أبريل 2012. السبب فى دفاع البنك المركزى عن سعر صرف الجنيه المصرى هو نمو العجز فى الميزان التجارى خلال عام 2011 حيث تراجعت الصادرات، بينما حافظت الواردات على مستوياتها إن لم تكن قد زادت فى بعض القطاعات. هذا إلى جانب الانخفاض الشديد فى إيرادات السياحة التى تراجعت من قرابة 13 مليار دولار فى عام 2010 إلى ما دون ال 9 مليارات دولار فى عام 2011، ولكن ما أثر انخفاض احتياطى النقد الاجنبى؟ باختصار تستورد مصر بما يزيد قيمته على أربعة مليارات دولار شهرياً من السلع والخدمات التى يغطى تكلفتها البنك المركزى عن طريق احتياطى النقد الأجنبى حيث يتم إنفاق ما يقرب من 13 مليار دولار كل ثلاثة أشهر لتغطية احتياجات البلاد من الواردات، و بما أن احتياطى النقد الأجنبى قد وصل الآن إلى ما يقرب من 13 مليار دولار، فإننا نتجه وبقوة نحو تخطى المستوى الآمن لاحتياطى النقد الأجنبى. ونظراً لما يشهده الوضع السياسى، فسيصبح من الصعب على البنك المركزى الاستمرار فى الدفاع عن سعر صرف الجنيه المصرى ما سيؤدى إلى انخفاض حاد فى سعر الصرف أمام العملات الأجنبية. فى النهاية، فإن قرار الدفاع عن سعر صرف العملة المحلية ليس قراراً اقتصادياً خالصاً وإنما يتدخل فيه الكثير من الأهداف السياسية، وفى نهاية الأمر قد يكون قراراً صحيحاً أو خاطئاً. السؤال الأهم الآن: بعد أن وصلنا إلى هذا الوضع، كيف يمكن للبنك المركزى أن يستمر فى الدفاع عن سعر الصرف؟ وهل سنرى انهياراً فى سعر صرف الجنيه المصرى فى الفترة المقبلة؟ أم سيتدخل المجلس العسكرى لدعم احتياطى النقد الأجنبى فى اللحظة الأخيرة كما حدث من قبل؟!!