قامت الثورة تحديداً لأن مصر كانت قد وصلت إلى طريق مسدود ولفتح ثغرة فى جدار هذا الطريق للخروج بالوطن من ظلام دامس أدى إلى تدهور كل أوجه الوجود الإنسانى؛ من تعليم، لصحة، لسكن، لعيش، لحرية، لعدالة اجتماعية.. والمفروض أن جماعات الإسلام السياسى، ومنها جماعة الإخوان المسلمين، التى خرج رئيس الدولة من صفوفها، قد شاركت، حتى لو كان ذلك متأخراً، فى هذه الثورة، ومن ثم فإنها تعرف وتعى وتدرك تماماً أسبابها.. بل إن من تصدى لحكم البلاد مفترض فيه أنه على دراية أعمق بالحال.. من هنا أستغرب، وأعتقد أننى لست وحدى، من «يقول إن التركة ثقيلة!» وهو ما يستدعى بالضرورة سؤالاً اندهاشياً: هل كنتم تتصورون أن ثورة قامت على نظام صالح أو أدار البلد بكفاءة؟ هل كنتم تتصورون أن مبارك قد أهداكم أحوالاً زى الفل وقد غمره فرح طائح بتقديم هذه الهدية وانتظر أن تواصلوا السير على نفس الطريق الطويل بطول ثلاثين عاماً؟ أعتقد أن من قدّم نفسه بوصفه قادراً على تلبية مطالب الثورة وطموحات شبابها قد استند على «علمه» بالأحوال وقدرته على إصلاحها أما أن يحاول التذرع بأنه فوجئ بأن التركة ثقيلة فهو أمر يثير الشكوك فى دوافعه إلى الانضمام إلى الثوار بعد أيام من اندلاع الثورة وبعدما لاح نجاحها فى الأفق وفى نفس الوقت هو يطالب بأن نترك الحزب الحاكم وحلفاءه يفعلون ما يرونه هم مناسباً مع مبادئ الثورة وقيمها، ولا يحق لنا بموجب منطق هؤلاء أن نحاول مجرد تصويب المسار أو انتقاد سرعة وتيرة حمى الأخونة وتجاهل ولو البدء فى تطبيق العدالة الاجتماعية، وفيما تزداد التركة ثقلاً يفوق القدرة على احتماله، انطلقت القنوات المسماة بالدينية ظهيراً لهذا الحكم تكفر وتخون وتحرض على القتل والفتنة الطائفية بأشد المفردات قسوة وبذاءة. وعندما طال انتظار الشعب لتصدى الحكم لهذه السموم وبتطبيق القانون ضد المحرضين، أياً كانت مواقعهم أو تسترهم بالدين، وقر فى الضمير العام أن هذا الحكم متواطئ وأنه هو الذى يحمى هذه الأصوات ويقدم أسوأ صورة ممكنة عن الدين الذى يحكمون باسمه وليت تتاح الفرصة لأوسع شريحة من المجتمع للاطلاع على الأثر الذى تركته فى المشاهد بالدول الأجنبية حفلة السحل الكريهة التى تمت فصولها فى عهد الرئيس محمد مرسى وكذلك مشاهد الاغتصاب الجماعى لحرائر مصر «لردعهن» حتى لا يخرجن فى المظاهرات، كما حدث إبان أيام الثورة ال18، التى مكنت الإخوان من الحكم وأحكمت سيطرة التطرف والتعصب الدينى على ألسنة شيوخ الفضائيات وحتى منابر المساجد، ولا أدرى هل يزن الإخوان والجماعات الدينية عواقب ما يجرى الآن فى مصر؟ هل يعتبر كلام «أبوإسلام»، وهو ناشط سلفى، بأن 90٪ من المتعرضات للتحرش صليبيات وأرامل، محفزاً -أكيد- على تنشيط السياحة وشعور السائحات الصليبيات والأرامل بأن ذنبهن على جنبهن حيث إن اغتصابهن هو «سلو بلدنا» ولا يحرمه ديننا الحنيف؟ هل يمكن ألا يشعر كل من انتخب الدكتور مرسى على أساس إيمانه بالديمقراطية وتداول السلطة بالخديعة المؤلمة؟ وقبل ذلك كله هل يتصور الدكتور مرسى وأنصاره أن الكلام عن التركة الثقيلة التى فوجئوا بها أو إهدار دم المعارضين أو إطلاق وحش الاغتصاب أو.. أو.. كل الأمراض والأوبئة التى ثار الشعب من أجل التخلص والتطهر منها بمثابة أقراص مخدرة للمواطن؟.. يحسن الحكم صنعاً إذا حاول قراءة المشهد قراءة صحيحة بلا خداع أو تقليل أو وهم أن الغاضبين قلة شاذة وسيبوهم يتسلوا أو يتشلوا.. لا فرق.. واقتلوا قادة الإنقاذ!!