بعد أن لوح بيده اليمنى للمئات من أعضاء الحزب «الوثنى» الذين وقفوا يصفقون له طويلا بقيادة المايسترو أحمد عز، جلس ليلقى خطبته غير العصماء وخلف كتفه الأيمن قبع د.فتحى سرور، وخلف منكبه الأيسر تقوقع صفوت الشريف الشهير ب«موافى»، وبدأ «المخلوع» يتحدث لمؤلهيه ويعدد إنجازات الدورة البرلمانية، وعظائم الأمور، التى حققها جهابذة الحزب وأشباه رجالاته، وبعد مقاطعة بوصلة تصفيق حاد تمهيدًا لخروجه عن الورقة المكتوبة وإطلاق إحدى نكاته السمجة قرأ المخلوع: «إننا نسعى خلال المرحلة المقبلة لتحرك مواز لتوسيع تطبيق اللامركزية».. ثم التفت «متسامجا» بقوله «مش برلمان موازى لأ اوعوا تصدقوا.. فهاج البلهاء بعاصفة تصفيق جديدة استحسانًا للنكتة «السمجة».. فما كان من مبارك إلا أن واصل تعليقه بمقولة ذهبت مثلا وهى كلمته الخالدة: «خليهم يتسلوا».. فى استخفاف واضح بالبرلمان الموازى والتحرك الشعبى، الذى كان قد دخل مرحلة النضج دون أن يشعر الطاغية، أو يجرؤ زبانيته على إبلاغه بالحقيقة، وانتهى الأمر إلى أن «تسلى» الثوار بإسقاط نظام البغى والعدوان. وبعد مرحلة «خليهم يتسلوا» التى انتهت بسقوط عرش حسنى مبارك، جاءت المرحلة الانتقالية، التى أشرف عليها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وبحكم «الحكمة» وربما فارق السن!.. ألصق الشباب بهذه المرحلة مقولة «خليهم يتشلوا» بسبب البطء الشديد فى التحرك، والتباطؤ الأشد فى اتخاذ القرارات، وانعدام الإحساس بالزمن عند اتخاذ ردود الفعل، ناهيك عن إخفاء سياسة المبادرة، وانتهت مرحلة «خليهم يتشلوا» بنجاح الرئيس المنتخب د. محمد مرسى فى التخلص من قائد الشرطة العسكرية، ورئيس الحرس الجمهورى، ورئيس ديوان رئاسة الجمهورية، وبعض قادة القوات المسلحة، ومعهم قائد قوات الأمن المركزى، وحكمدار القاهرة، وبعد ذلك بساعات وقبل أن تكون هناك أى ردود فعل تم منح المشير طنطاوى والفريق سامى عنان قلادتى النيل والجمهورية!! واليوم يبدو أن جماعة الإخوان المسلمين، وممثلها الرئيس المنتخب قد وعوا دروس التاريخ جيداً، واستوعبوا ما حدث للمخلوع بسبب «خليهم يتسلوا».. وما حدث للعسكر عقب مرحلة «خليهم يتشلوا»، لذلك يرفضون تماماً مبدأ «خليهم يتظاهروا» الذى يتبنى وجهة نظر تقول إن التظاهر أو الاعتصام أو التعبير «السلمى» عن الرأى، كلها حقوق مكفولة للمواطنين فى كل دساتير العالم، وبغض النظر عن عدم إنجازنا للدستور حتى الآن، ومع عدم اعتماد قاعدة «اللى اتلسع من الشوربة ينفخ فى الزبادى» وشقيقتها «اللى اتلدغ من الثعبان يخاف من الحبل».. فإن حق التظاهر يظل مكفولا مهما كان الهدف من المظاهرة.. وأهداف الداعين إليها. .. تبدو وجهة النظر هذه منطقية.. وتتماشى مع منطق الثورة والحرية والديمقراطية وتقبل الآخر.. وكل العبارات الرائعة والرنانة، التى تسحر العقول.. وتسلب الأفئدة، ولكن لدى بعض الملاحظات الصغييييرة: 1- هل يضمن منظمو المظاهرة المطلوبة عدم اندساس عناصر «الطرف الثالث» أو «القناصة الخفيين» ضمن المتظاهرين وحدوث «كوارث» لا تحمد عقباها؟ 2- هل تحتمل الأوضاع الأمنية الحالية قيام مثل هذه المظاهرات المليونية، وتأمينها، والقيام بدور الدولة فى الحفاظ على حياة المشاركين فيها؟ 3- هل يضمن منظمو المظاهرة ألا يقوم «المندسون» بأعمال شغب أو تدمير أو تخريب، تستدعى مواجهتها أمنيًا والتصدى لها، فتقع الواقعة، التى نحن فى غنى عنها؟ 4- لا خلاف على حرية الرأي.. وحرية التظاهر.. ولكن ادعو الداعين لمظاهرات 24 و25 اغسطس الى تحكيم العقل.. وتغليب مصلحة مصر فوق كل المصالح الخاصة، واختيار التوقيت المناسب لممارسة الديمقراطية وتطبيق قواعد المظاهرات، التى تعتمدها كل دول العالم الديمقراطي.. حتى لا يتسببوا فى كارثة.. وساعتها نندم، حيث لا ينفع الندم أننا طبقنا مقولة «خليهم يتظاهروا»!! وحفظ الله مصر وشعبها من كل سوء. [email protected]